الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

النارجيلة لمدّة ساعة: 100 إلى 200 سيجارة!

المصدر: "النهار"
كلودا طانيوس
A+ A-

البعض يسميها الأرجيلة، والبعض الآخر شيشة، وبعضهم النارجيلة، هذا عدا عن الأسماء الأخرى التي تُطلَق عليها. تجدها أينما كان: في البيوت، في المطاعم، في المقاهي، وفي الملاهي.. حتى أن بعض اللبنانيين "حمّلوا" الأرجيلة معهم إلى شواطىء البحر حيث يستمتعون بتدخينها وبمنظر غروب الشمس، وافتتح البعض الآخر محالاً توصل الأرجيلة إلى البيوت كـ"دليفري". هي ظهرت أساساً في الهند، ثم انتقلت في القرن السابع عشر إلى تركيا، ومن ثم إلى العالم العربي عن طريق إيران، كما أن المهاجرين من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة أخذوا معهم هذه العادة، حتى أصبحت واسعة الإنتشار في أوساط الجالية العربية وحتى الجاليات الأخرى.


 


 


"المأرجيلون"


يقول الطالب هادي خليفة، واضعاً الفحم على الغاز ليحضّر الأرجيلة، إنه يدخن الأرجيلة مرات عدة في الأسبوع، وإنه بدأ يجرّب أخيراً أنواعاً جديدة من المعسّل. يجيب عند سؤاله لماذا بدأ تدخين الأرجيلة بـ"لا أعرف"، ويضيف قائلاً إن "رفاقي يحبون الأرجيلة كثيراً وفي كلّ مرة يدعوني فيها إلى الغداء ثم تدخين الأرجيلة كنت دائماً أرفضها، لكن للمسايرة ذقتُها ذات مرّة فأصبحت عادة أسبوعية تجمعنا."


يبدو عنصر الضغط هذا كمسبّبٍ أول في رواج تدخين الأرجيلة بين اللبنانيين، خصوصاً عند فئة الشباب والمراهقين، ولا يمرّ يومٌ إلا وتعجّ فيه المطاعم اللبنانية بمدخّني الأرجيلة على الرَّغم من قانون منع التدخين في الأماكن العامة. "انتشار الأرجيلة و"حبّها" هما ما فرض نفسه على هذه المطاعم والحانات، بالإضافة إلى غياب الرقابة من الدّولة" يجيب مدخّنٌ للأرجيلة في مطعم في جديدة المتن، ويضيف: "من دون الأرجيلة لا يمكن لهذه المطاعم أن تكسب الرّبح أصلاً"، مشيراً بيده إلى الطاولات القريبة منه، حيث على كلّ واحدة نارجيلة، وأحياناً اثنتان.


أما الطالبة بثينة المغربي، التي يصفها رفاقها بعاشقة الأرجيلة، فتعرض قزازات الأرجيلة عندها بفخر وابتسام، تتحدّث عن ارتياحها عند التدخين، وتقول ضاحكةً: "الأرجيلة بتفهملي راسي!" موضحةً أنها تدخنها مع أصدقائها "وليس هناك ما يضاهي هكذا سهرات عفوية وحميمة." وعند الإشارة إلى المخاطر الصحية، تجيب بثينة ساخرةً أن "نصف ما نأكلُه فاسد ومياهنا ملوّثة وهواؤنا أيضاً، هل الأرجيلة هي فقط ما يضرّني؟"


 


ضغط المجموعة من أبرز العوامل المؤدية لاستهلاك النارجيلة


الضغط الإجتماعي أو ضغط المجموعة الذي يجرّ الإنسان إلى الإلتحاق بعادات سيئة كتدخين الأرجيلة، يختلف بين المراهقين، والبالغين العاملين، والسيدات "في البيوت"، وفق الأخصّائية في علم النفس العيادي زينة زيربة، التي أوضحت لـ"النهار" أن "المراهقين هم الأكثر عرضة لضغط المجموعة جرّاء ضعف وهشاشة شخصيتهم، كما أنهم يستعملون الأرجيلة كوسيلة للإنضمام إلى هذه المجموعة ولتكوين هويتهم الإجتماعية."


وما يؤكد مدى القدرة التأثيرية التي تفرضها المجموعة على المراهق هو الإستهزاء الّذي يواجهه هذا الأخير في حال رفض تدخين الأرجيلة. "نرى مدخّني الأرجيلة في أعمارٍ يافعة جدّاً إذ أن الولد البالغ من العمر 13 سنة أصبح يعرف كيف يحضّر الأرجيلة ويدخّنها باستمرار" تلفت زربة، حاصرةً المتأثرين أكثر من غيرهم بضغط المجموعة في عمرٍ يراوح ما بين الـ16 والـ24، وتعلّل ذلك بالقول إنه "العمر الذي يسبق دخول الشخص فعلياً مجال العمل."


عدا مسألة الضغط النفسي الذي تفرضه المجموعة، يبرز عامل تمضية الوقت في التأثير على استهلاك الأرجيلة، خصوصاً عند السيدات غير العاملات اللواتي يلجأن إلى الأرجيلة فقط لتمضية الوقت والترفيه عن النفس في وقت الفراغ باعتبارها وسيلة محبّبة للتسلية والإستمتاع. أما السعر الرخيص للتنباك في لبنان مقارنةً بالدول المتطورة فيشجّع من دون شك على استهلاك الأرجيلة أكثر فأكثر، ويسهّل الحصول على لوازمها من مختلف الأعمار.


وتشير زربة إلى عاملٍ آخرٍ خطير، ألا وهو "الجهل الذي يصيب العديد من الأشخاص والمتجلي بعدم إدراك مدخني الأرجيلة لمخاطرها أو لشدّة هذه المخاطر، فلطالما يجيبك أحدهم أنه ليس بمدخّن، بالإشارة إلى أنه لا يدخن السيجارة، ويستكمل إجابته بأنه يدخن الأرجيلة فقط من وقتٍ لآخر، وكأن الأرجيلة ليست خطيرة أو لا تُعتبَر تدخيناً مؤذياً!"


وفي الواقع، لقد بينت دراسات علمية أكثر من مرة، وآخرها دراسة أجراها المركز الأميركي CDC للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بالتعاون مع وزارة الصحة الأميركية في كانون الأول 2013، أن الأرجيلة تُعتبَر أخطر بكثير من السيجارة، بما أن كمية الدخان التي تدخل الرئتَين خلال تدخين الأرجيلة لمدّةِ ساعة، تساوي كمية الدخان الناتجة عن تدخين ما بين الـ100 والـ200 سيجارة، ناهيك عن انتقال الجراثيم عبر الخرطوم أو "النبريش" جرّاء استعمال أكثر من شخص لأنبوب الأرجيلة عينه.


ويتجسّد كذلك جهلُ اللبنانيين في اعتقادهم أن الأرجيلة هي بديلٌ صحي عن السجائر، زاعمين أن المياه الموجودة تنقّي القطران الموجود في مكوّنات الأرجيلة وتخفف من التأثيرات المؤذية فيها.


من جهةٍ أخرى، تعزو الأخصائية زربة الانتشارَ الخطير للأرجيلة إلى مسألة عدم التوعية، وإلى تقاعس الجهات المسؤولة في الدولة عن القيام بواجباتها المتمثّلة بمحاسبة مخالفي القانون وتوضح أن "التوعية لمخاطر التدخين يجب أن تبدأ مع الطفل عبر البرامج التلفزيونية مثلاً"، معتبرةً أنه لو توافرت هكذا برامج ولو كان هناك احترام وتنفيذ فعليّان لقانون منع التدخين في الأماكن العامة، لكان الواقع مختلفاً جداً.


وتشدّد زربة عبر "النهار" على أن التقصير من الجهات المسؤولة في نشر التوعية الصحية وفي خلق فرص متساوية للشباب للتعرف على هواياتهم ومواهبهم، أي من خلال الرياضة أو الموسيقى مثلاً، "هو عامل رئيسي يؤدي بهم إلى الدخول في عملية مدمّرة للنّفس وللجسم (Auto-Destruction) عبر استعمال الأرجيلة متنفّساً لهم ووسيلةً لتعبئة الفراغ، بدل استثمار هذا الوقت لاكتشاف مهارات معينة" مشيرةً إلى أن تحقيق الذات أصبح مع الأسف حُكراً على الطبقة الإقتصادية الثرية.


هذا ما يشرح وضعية "الضحية" التي يقع فيها اللبنانيون في بحثهم المستمر عن لوازم الأرجيلة لتدخينها بشكلٍ شبه يومي، "إذ لا يجوز أن نتطلّع إلى مدخني الأرجيلة باستهتار، بل يجب مساعدتهم على أن يبدأوا بالإهتمام بالذات، خصوصاً أولئك الذين يسعَون للوصول إلى المجتمع عبر الأرجيلة، بما أن ليس بإمكانهم البروز مجرّدين" على قولها.


 


أين التوعية؟!


تجري محاولات عالمية عدة، للتوعية على مخاطر الأرجيلة من خلال إعلانات تقوم بها جمعياتٌ تدعو فيها للتوقف عن التدخين، وفيديوهات على موقع "يوتيوب" تفصّل فيها الجمعياتُ والمراكزُ الصحية الأضرارَ الناجمة عن الأرجيلة، كما تبرز محاولةٌ مميزة عن طريق عرض شهادات لمدخّنين سابقين للسيجارة والأرجيلة معاً، تتبين فيها الأمراض التي أصيبوا بها، ويدعون فيها إلى الإمتناع عن التدخين.


أما محلياً فبرزت بعض المحاولات التوعوية، مع العلم أن معظمها يظلّ خجولاً ودون المستوى، فصفحة حركة AntiArgileh على موقع "فايسبوك"، وهي الهادفة إلى توعية العنصر اللبناني اليافع على مضار الأرجيلة، لم تتجدد منذ أكثر من سنة، أما المطالبات بالتوقف عن تدخين الأرجيلة فلا تعدو إلكترونيةً عبر الإنترنت من خلال المدونات الإلكترونية والتعليقات على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، من دون أي خطوات عملية فعّالة.


قد تكون خطوة التلميذين ماريو محاسب ومروان كويك في مدرسة الراهبات الأنطونيات في غزير عبر اختراعهما لعبة مكافحة التدخين على الكومبيوتر، الخطوة الأكثر شجاعةً أخيراً، إذ تشكّل رسالةً توعوية ناجحة وجاذبة للعنصر اليافع في المجتمع، لكنها لا تشير إلا للإمتناع عن تدخين السجائر، من دون الإحاطة بالأرجيلة، وهي لعبةٌ تقوم على مبدأ دهس السيجارة بالرئتَين.


أما جمعية "مينتور العربية" (Mentor Arabia) فتأتي لتغطّي حيّزاً من هذه الثغرة التوعوية من خلال حملاتها لوقاية الشباب من المخدرات، ويقول مدير الاتصال والاعلام في الجمعية أحمد جابر لـ"النهار" إننا "نقوم بحملات إرشادية وقائية للتوعية على مخاطر المخدرات، ليس هناك من تركيزٍ محدد على نوعٍ ما، ولكن من ضمن المخدرات التي نحذّر من مخاطرها هو التبغ، وهو الكامن في الأرجيلة."


يشرح عن ماهية حملات التوعية والتي هي "مشاريع وقائية علمية ذات شهادة عالمية فهي تكون بالتنسيق مع جمعيات الأمم المتحدة، وتُطَبّق بنجاح في العديد من الدول الأجنبية، فنترجمها ونطبّقها"، ويشير إلى أن نطاق عمل الجمعية هو نطاقٌ عربي "نتوجه فيه إلى المدارس والجامعات، كما أننا في لبنان ندرّب المراكز الإنمائية في وزارة الشؤون الإجتماعية" جازماً بفعالية هذه المشاريع ونتائجها الإيجابية "إذ لمسنا تجاوباً من أهالي الأولاد، خصوصاً في البيئات الفقيرة كالمخيمات الفلسطينية."


وتكمن إيجابية المشاريع التوعوية المذكورة في الإنفتاح الأخير للحكومات العربية على موضوع مكافحة المخدرات، ومن ضمنها التبغ. "فبعدما كانت كلمة "مخدرات" كلمة Taboo (محرّمة)، تتجاوب معنا الحكومات العربية اليوم وتتمنى علينا مساعدتَها في معالجة هذه الآفة"، يؤكد جابر، ويرى أن تجاوبَ الإعلام أدّى هو الآخر إلى تشكيل دعم.


أما الإحصاءات عن عدد المدخّنين في الدول العربية فليست بواضحة، خصوصاً أن آخر دراسة قام بها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة كانت العام 2001، "الأمر الذي يشكل عائقاً أمام تطوير برامجنا الوقائية" على قول جابر، ويجيب أن الإحصاءات المحلية هي أيضاً غير متوافرة بسبب النقص في التمويل. من جهتها، ستقوم جمعية "منتور العربية" بمبادرة فريدة من نوعها أعلن عنها أحمد جابر عبر "النهار"، ألا وهي بناء مركز معلومات بالتعاون مع إحدى الجامعات، فيه كل الدراسات والمواد التدريبية والأرقام والإحصاءات والتوعية اللازمة."


 


وزارة الصحة: تمويل ضئيل في ظل الميزانيات الهائلة لشركات التبغ


وزارة الصحة من ناحيتها، تقوم بالتوعية بطريقةٍ تدريجية، فبعدما أطلق البرنامجُ الوطني للحد من التدخين في الوزارة حملة "قفّل عالموضوع"، وهي الحملة الوطنية للتوعية حول القانون الرقم 174 للحد من التدخين في الأماكن العامة، يستمر في مَهمّته التوعوية من خلال زيادة عدد المراقبين لتطبيق القانون المذكور، والتعاون مع جمعياتٍ في طرابلس وصيدا وبيروت والبقاع، منها الهيئة الصحية الإسلامية، جمعية الرسالة للإسعاف الصحي، جمعية الشبان المسيحية، جمعية جاد، دار الفتوى - المركز الصحي، جمعية اليد الخضراء، اتحاد كشاف لبنان، جمعية حياة حرة بلا تدخين.


يؤكّد مدير الإتصال في البرنامج الوطني للحد من التدخين في وزارة الصحة عبّاس سِباعي لـ"النهار" أننا "في صدد معالجة موضوع "الدليفري" في ما يتعلق بالأرجيلة، خصوصاً أن الخدمة تحصل في الكثير من الأحيان لمن هم تحت سنّ الـ18"، لافتاً إلى التحضير لتحالفٍ للجمعيات يتضمن التوعية عن طريق الإرشادات الصحية، وفيه أيضاً التذكير بالقانون وبضرورة تطبيقه وماهية العقوبات في حال عدم التطبيق، "ترعى هذا التحالف لجنةٌ مؤلّفة من متابعين رسميين من وزارات الصحة، الإقتصاد، السياحة، الداخلية، التربية، والإعلام" على قوله.


ويضيف سِباعي أن "هناك حملات مدفوعة تقوم بها شركات التبغ لإقناع أصحاب المقاهي والمطاعم بالخسارة الكبيرة التي ستقع عليهم في حال امتثلوا للقانون الرقم 174"، إذ تقوم بالزعم أن عدد الزبائن سيتقلص في حال لم يتم تقديم الأرجيلة أو السماح لهم بالتدخين. يرفض سِباعي هذا الأمر ويشدد عبر "النهار" على أنه "غير صحيح كلياً، فإذا أخذنا مثلاً بسيطاً، تتبين الخسارة الإقتصادية للمطاعم فقط على المدى القصير، فيما المنفعة الإقتصادية هي التي ستحصل على المدى الطويل، لأنّ مستهلك الأرجيلة في المطعم يجلس قرابة الساعتين من دون أن يستهلك مما يقدَّم من أطباق، أما عند امتثال المطاعم للقانون فستمتلىء طاولاتها بمختلف الأطباق والمشروبات، بما أن الزبون لن يجلس لمدة ساعة أو ساعتين في المطعم من دون أن يتذوّق من لائحة الطعام"، وهو الأمر الذي يحتّم حملات توعية لمالكي المقاهي والمطاعم أيضاً، في ظلّ التضليل المتعمّد الذي يتعرضون له من شركات التبغ.


التمويل في وزارة الصحة لهكذا حملات توعوية شاملة غير متوافر فعلياً، "خصوصاً في وجه الميزانيات الضخمة جداً لشركات التبغ العالمية، وهي التي تتوجه خصوصاً إلى الدول النامية، بسبب حظر منتوجاتها التبغية تدريجياً في الدول المتطورة كنيوزيلندا والمملكة المتحدة"، يوضح سِباعي، مؤكداً أن الأمر "ليس باستسلام، فنحن لا زلنا نقوم بدعايات تحذّر من التدخين بشكلٍ عام، أي تدخين السيجارة والأرجيلة معاً، وهي انتشرت في مراكز تجارية عدة (Malls)”.


هذا ما يشرح عدم توافر المنتوجات التبغية من "معسّل" وعلب سجائر أو توافرها الخفيف جداً في الـ"مولات"، على عكس رواجها الكبير في الدكاكين الصغيرة بين الأحياء الشعبية، خصوصاً الفقيرة منها، "وهي التي تظل مركز اهتمام الشركات التبغية بما أنها الأكثر استهلاكاً لها" يجزم سِباعي. أما إلكترونياً، فأيضاً تسعى وزارة الصحة لنشر التوعية في وجه مخاطر التدخين بصورةٍ عامة، وذلك عن طريق الصفحة الخاصة بالبرنامج الوطني للحد من التدخين على موقع "فايسبوك" وهي بعنوان: "NTCP – National Tobacco Control Program – Lebanon".


 


 [email protected] / Twitter: @claudatanios

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم