محمد صلاح بين الصمت والجدل... لماذا رفض التوقيع على قميص فلسطين؟
في لحظة عابرة، لكن صداها لا يزال حتى كتابة هذه السطور، تحوّل تصرّف النجم المصري في صفوف ليفربول الإنكليزي محمد صلاح إلى مادة للنقاش العربي والعالمي.
ماذا حصل بين محمد صلاح وأحد الأشخاص؟
انتشر شريط فيديو انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد الأشخاص وهو يحمل قميصاً مكتوباً عليه فلسطين مع العلم الفلسطيني، وذلك عقب مواجهة ليفربول مع مضيفه غلطة سراي التركي في دوري أبطال أوروبا.
وخسر ممثل إنكلترا بقيادة محمد صلاح مساء الثلاثاء أمام غلطة سراي التركي بهدف نظيف في المسابقة الأوروبية الأهم للأندية.
أسرار محمد صلاح وراء المجد... بين المستشفى والمنزل (فيديو وصور)
وظهر محمد صلاح في الفيديو وهو يمر أمام الشخص الذي يحمل القميص، لكنه تابع طريقه من دون أن يوقّع على القميص أو حتى يقف بجانب الشاب ويتحدث إليه أو يلتقط معه صورة.

لماذا التزم محمد صلاح الصمت؟
تصرّف صلاح أثار الجدل مجدداً في مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد لما فعله تفادياً لأي عقوبات، ومعارض لما قام به، خصوصاً "أنه لاعب عربي مصري ويجب أن يكون داعماً لفلسطين ضد ما تتعرض له" منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ولكن لماذا تابع محمد صلاح طريقه من دون أن يقف إلى جانب المشجع ويحقق "أمنية" الأخير بالحصول على توقيعه؟
من طرح الفيديو كتب: "محمد صلاح لم يكن بإمكانه التوقيع على القميص الخاص بفلسطين بسبب الشروط الرسمية التي تفرضها الويفا (الاتحاد الأوروبي لكرة القدم)"
— Youssef (@MlyYousef) October 1, 2025
حدث هذا في تركيا — بمناسبة مباراة ليفربول وغلطسراي. pic.twitter.com/pvLkttGtT9
بحسب لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، هناك قيود صارمة على أي تصرفات أو رسائل سياسية أو دينية أو شعارات ذات طابع غير رياضي خلال المباريات أو الأنشطة الرسمية.
وقد يتعرّض اللاعب للعقوبات إذا رفع أو أظهر شعارات سياسية أو كتب رسائل ذات طابع سياسي، وتتراوح العقوبات بين غرامة مالية أو التحذير، وفي حالات معينة قد تصل العقوبة إلى الإيقاف.
وبحسب تقارير، فإنه حتى في حال التوقيع على قميص يحمل شعاراً سياسياً أو رسالة رمزية أو قضية ما، قد يعتبر الاتحاد الأوروبي ذلك موقفاً سياسياً معلناً، ويُدرج تحت خانة "التعبير السياسي"، ما يفتح الباب أمام المساءلة.
"قلة الاحترام" تدفع محمد صلاح للرد على جمهور ليفربول
ماذا لو حدث ذلك خارج البطولة الأوروبية؟
على الأغلب، لو تصرّف محمد صلاح بهذا الشكل خارج إطار المباريات الرسمية والأنشطة التابعة للاتحاد الأوروبي، يكون من الصعب فرض عقوبة ضده، إلا إذا أثارت الواقعة ضجة كبرى وتحوّلت إلى قضية إعلامية.
وهنا قد يتدخل الاتحاد الأوروبي ويحقق في الأمر، ولو أن ذلك من الصعب أن يحصل.

محمد صلاح وفلسطين... لماذا يبقى "هادئاً"؟
هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها محمد صلاح الجدل "عربياً وعالمياً"، خصوصاً أنه يُعتبر من أبرز اللاعبين في العالم، وكل كلمة أو تصرّف منه يترجم مباشرة على المستوى الدولي ويخضع لتأويلات وضغوط كبيرة.
إلى جانب كل ذلك، فإن صلاح أيضاً يلعب في إنكلترا، ودوري بحجم "البريميرليغ" يخضع لتغطية إعلامية هائلة، فمثلاً أي موقف سياسي علني واضح منه تجاه فلسطين قد يعرّضه لهجوم لاذع من الإعلام ويضعه في صدام مع جماهير أو جهات نافذة.
أما على الصعيد الإعلاني، فإن شركات الرعاية والإعلانات التي ترتبط بمحمد صلاح بمبالغ ضخمة تفضّل أن يبقى في إطار اللاعب المصري المحبوب من كل العالم، بعيداً من القضايا غير الرياضية.
وبرغم صمته السياسي، سبق أن عبّر صلاح عن مواقف إنسانية عامة تدعو لوقف الحروب وحماية الأطفال، وهو أسلوب ذكي لإيصال رسالة إنسانية من دون الدخول في دائرة "التصريح السياسي المباشر"، مع أنه تعرّض أيضاً لانتقادات حين خرج عن صمته "متأخراً" وناشد تدخل قادة العالم لإنقاذ سكان غزة.
وعلى الأرجح، يرى محمد صلاح أن الصمت المدروس هو خياره للحفاظ على توازنه كلاعب عالمي، مع إبقاء رسائله في إطار إنساني عام لا يُعرّضه للعقوبات أو الاستهداف.

هل يخسر محبين؟
لا شك في أن الإجابة عن هذا السؤال تبدو معقّدة، فمحمد صلاح يملك قاعدة جماهيرية ضخمة في الوطن العربي، وغالبية هذه الجماهير تنظر إليه ليس فقط كنجم كرة قدم، بل أيضاً كرمز عربي عالمي. لذلك، عندما يلتزم الصمت أو يكتفي بمواقف محدودة تجاه غزة أو فلسطين، يشعر بعض المشجعين بخيبة أمل.
لكن في المقابل، صلاح ما زال يحظى بشعبية واسعة جداً، لأنه بالنسبة لمعظم محبيه يمثل مصدر فخر، وكثيرون يتفهمون أنه لاعب محترف يخضع لقوانين صارمة في أوروبا، حيث يُمنع على اللاعبين إظهار مواقف سياسية صريحة، خوفاً من العقوبات أو فقدان عقود الرعاية.
نعم، صلاح قد يكون خسر جزءاً من مشجعيه العرب الذين كانوا يتوقعون منه موقفاً أقوى تجاه غزة، لكنه أيضاً لم يخسر شعبيته الكبيرة.
آخر مواقفه
وفي 9 آب/أغسطس الماضي، أعاد محمد صلاح تغريد منشور الاتحاد الأوروبي عن نعي اللاعب الفلسطيني سليمان العبيد، المعروف بلقب "بيليه فلسطين"، من دون توضيح ملابسات وفاته في غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة.
وكتب "يويفا" وقتها على منصة "إكس": "نودع سليمان العبيد، بيليه فلسطين، موهبة منحت أملاً هائلاً لعدد لا يُحصى من الأطفال، حتى في أحلك الأوقات".
Can you tell us how he died, where, and why? https://t.co/W7HCyVVtBE
— Mohamed Salah (@MoSalah) August 9, 2025
وأعاد صلاح تغريد المنشور، قائلاً: "هل يمكن أن تخبرنا كيف مات؟ وأين؟ ولماذا؟"، في إشارة إلى استنكاره تصرّف الاتحاد القاري، الذي لم يكشف عن أسباب وفاة اللاعب، الذي كان ينتظر دوره للحصول على مساعدات إنسانية وقت الحادثة، في ظل تفاقم أزمة المجاعة التي تضرب غزة.
عموماً، أن يتعرض محمد صلاح لانتقادات فهذا أمر طبيعي، لأنه شخصية لم تعد رياضية فقط، بل أصبح مؤثراً لجيل كامل، ويبقى لكل شخص رأيه: بين مؤيد لتصرّفات "الفرعون" المصري ومعارض لها.
نبض