برز عام 2025 كمرحلة فاصلة في صناعة الذكاء الاصطناعي، بعدما كشفت صفقات كبرى عن تحوّل استراتيجي لدى الشركات والحكومات، من تطوير النماذج إلى تأمين البنية التحتية والعقول القادرة على تشغيلها.

وشهد العام سلسلة معاملات ضخمة ومعقدة خرجت عن الأطر التقليدية، إذ لم تقتصر على عمليات استحواذ مباشرة أو جولات تمويل، بل جمعت بين التراخيص، واستقطاب المواهب، والاستثمار في الحوسبة والبنية التحتية، ما أدى إلى إعادة توزيع النفوذ داخل قطاع التكنولوجيا، وفرض علاقات تبعية طويلة الأمد في بعض الحالات.

ولم تكن هذه الصفقات مجرد اتفاقات مالية، بل محاولات للسيطرة على عناصر القوة الأساسية في صناعة الذكاء الاصطناعي، وأسهمت في تغيير موازين القوى داخل وادي السيليكون وخارجه. وفي ما يأتي أبرز ثماني صفقات شكّلت ملامح عام الذكاء الاصطناعي، مرتبة من الأصغر إلى الأكبر من حيث القيمة الدولارية.

غزو "إنفيديا" لشركة "غروك"

أنهت شركة "إنفيديا" العام بالنهج ذاته الذي اتبعته طوال 2025، عبر استقطاب مؤسسي الشركات الناشئة وترك بقية الموظفين يواجهون مصيرهم. فعشية عيد الميلاد، أعلنت توقيع اتفاقية ترخيص غير حصرية مع شركة "غروك"، من دون الكشف عن الشروط المالية. وبموجب الاتفاق، انضم مؤسس غروك ورئيسها التنفيذي جوناثان روس، إلى جانب رئيس الشركة وعدد من أعضاء فريقها، إلى "إنفيديا"، التي تجاوزت قيمتها السوقية 4.5 تريليونات دولار. في المقابل، استمرت "غروك" في العمل كشركة مستقلة، مع تولي المدير المالي سايمون إدواردز منصب الرئيس التنفيذي.

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

رهان ديزني الملياري على "أوبن إيه آي"

في كانون الأول/ديسمبر، أبرمت ديزني اتفاقية ترخيص لمدة ثلاث سنوات مع "أوبن إيه آي"، لتصبح أول شريك محتوى كبير لمنصة "سورا" الخاصة بإنشاء الفيديو. ولم تقتصر الصفقة على الحقوق، إذ استثمرت ديزني مليار دولار في أوبن إيه آي، مع حصولها على خيارات لشراء أسهم إضافية، في هيكل يربط المحتوى والتوزيع والعوائد المحتملة. وجاءت الخطوة في ظل ثبات الوقت الذي يقضيه المستخدمون على خدمات البث الرئيسية، مقابل استمرار نمو منصات الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.

"ويندسيرف"… من قصة نجاح إلى درس تحذيري

كانت شركة "ويندسيرف" Windsurf، المتخصصة في مساعدات البرمجة للمطورين، قصة نجاح بارزة قبل أن تتحول إلى مثال تحذيري. فبعد مفاوضات لبيعها إلى "أوبن إيه آي" مقابل 3 مليارات دولار، انهارت الصفقة في اللحظة الأخيرة. لاحقاً، دخلت "غوغل" منافساً، واختارت بدل الاستحواذ المباشر دفع 2.4 مليار دولار لتوظيف رئيس الشركة التنفيذي وكبار كوادرها، إلى جانب ترخيص الملكية الفكرية. وأدت الصفقة فعليًا إلى تقسيم الشركة، حيث انتقل مئات الموظفين الباقين إلى شركة "كوغنيشن" Cognition الناشئة، ما أثار استياءً واسعاً.

صفقة سوفت بنك بـ4 مليارات دولار في البنية التحتية

أعلنت مجموعة سوفت بنك توقيع اتفاقية للاستحواذ على شركة "ديجيتال بريدج" DigitalBridge، المتخصصة في إدارة الأصول البديلة المرتبطة بمراكز البيانات وأبراج الاتصالات وشبكات الألياف الضوئية والطاقة. ومن المتوقع إتمام الصفقة في النصف الثاني من عام 2026، رهناً بالموافقات التنظيمية. وتأتي الخطوة ضمن إعادة هيكلة لمحفظة سوفت بنك الاستثمارية، شملت بيع أسهم في "إنفيديا" وتعزيز الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي المادي والروبوتات.

حصة إدارة ترامب بـ8.9 مليارات دولار في "إنتل"

في آب/أغسطس، وافقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على شراء حصة تبلغ 9.9% في شركة إنتل مقابل 8.9 مليارات دولار، من دون تمثيل في مجلس الإدارة. وتهدف الصفقة إلى تعزيز القدرة المحلية على تصميم وتصنيع الشرائح المتقدمة، في ظل تراجع حصة إنتل أمام منافسين أجانب، ومخاوف تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

"ميتا" تدفع 14 مليار دولار مقابل العقول

أثارت صفقة "ميتا" تساؤلات واسعة بعدما وافقت الشركة على دفع 14.3 مليار دولار مقابل حصة تبلغ 49% في شركة Scale AI، إلى جانب توظيف مؤسسها ألكسندر وانغ لقيادة المرحلة التالية من استراتيجية الذكاء الاصطناعي. وتولى وانغ منصب المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي في "ميتا"، مع مهمة استقطاب الباحثين وتحويل القدرات الحاسوبية الضخمة إلى ميزة تنافسية مستدامة.

أكبر استحواذ لـ"غوغل" بـ32 مليار دولار

في آذار/مارس، وافقت "غوغل" على الاستحواذ الكامل نقداً على شركة "ويز" الأميركية الإسرائيلية المتخصصة في أمن السحابة مقابل 32 مليار دولار، في أكبر عملية استحواذ بتاريخ الشركة. وقد اجتازت الصفقة مراجعة مكافحة الاحتكار في تشرين الثاني/نوفمبر، ما أزال العقبة الرئيسية أمام إتمامها، وبدّد فكرة استمرار ندرة صفقات التكنولوجيا الكبرى.

"ستارغيت"… مشروع بـ500 مليار دولار

تصدّر مشروع "ستارغيت" المشهد بوصفه أضخم صفقة في عام الذكاء الاصطناعي. وأُعلن عنه مع بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب، بشراكة بين "أوبن إيه آي" و"أوراكل" و"سوفت بنك"، بهدف استثمار 500 مليار دولار في إنشاء مراكز بيانات داخل الولايات المتحدة بحلول عام 2029. وقد افتُتح مركز رئيسي في تكساس، وبدأت أعمال البناء في أوهايو وويسكونسن، مع خطط لإنشاء مجمعات إضافية. ووفق تقديرات سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لأوبن إيه آي، قد يستوعب المشروع نحو خُمس القوى العاملة الماهرة الحالية في البلاد.

بهذه الصفقات، لم يعد الذكاء الاصطناعي سباق نماذج وخوارزميات فحسب، بل معركة على البنية التحتية والمواهب والنفوذ، وهي عناصر ستحدد مسار الصناعة في السنوات المقبلة.