حروب الجو في عصر الذكاء الاصطناعي: ما الذي يتغيّر فعلياً؟

حروب الجو في عصر الذكاء الاصطناعي: ما الذي يتغيّر فعلياً؟

الجدل حول الطائرات القتالية يخلص إلى تكامل الإنسان والذكاء الاصطناعي ضمن منظومات شبكية مرنة مستقبلية.
حروب الجو في عصر الذكاء الاصطناعي: ما الذي يتغيّر فعلياً؟
طائرة قتال تعاونية أميركية (مواقع)
Smaller Bigger

لا يزال الجدل محتدماً داخل الأوساط العسكرية والدفاعية حول مستقبل الطائرات القتالية: هل ينبغي أن تحل الطائرات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي محل الطيارين البشر، أم ينبغي أن تظل مجرد أداة داعمة لهم؟ لكن هذا الجدل، بجوهره، ينطلق – وفق ما يشير عدد من الباحثين – من تصورات غير مكتملة لدى كلا الطرفين.

 

يقول الباحث في الشؤون العسكرية والمدير السابق للمشاريع الدفاعية الخاصة مصطفى الأسد، في حديث لـ"النهار"، إن النقاش الدائر اليوم يختزل المشكلة بشكل مفرط. فـ"الجدل الحالي يتركز على استبدال الطيار بالأنظمة غير المأهولة، سواء أكانت مستقلة بالكامل أم تُدار عن بُعد. لكن الواقع أن التكنولوجيا المتوافرة اليوم لا تسمح لأيّ جيش بأن يطلق عشرات الطائرات ذاتية التشغيل، ويمنحها مهمة مفتوحة من دون تدخل مباشر".

 

يضيف الأسد أن هذا النوع من السيناريوات "يتطلب مستوى حضارياَ وتقنياً عالياً جداً، في حين أن التكنولوجيا نفسها لم تُستثمر أو تُطوَّر بالكامل بعد"، محذراً من أن النتيجة قد تكون عكسية، "بحيث تصبح الكلفة أعلى من العائد العسكري الحقيقي". وبرأيه، فإن كلا المعسكرين في هذا الجدل يملك نقاطًا صحيحة، "لكن هامش الخطأ لا يزال ضخماً".

 

خلال السنوات الماضية، أعلن البنتاغون التزامه الواسع بإدماج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الدفاع الأميركية باعتباره ضرورة استراتيجية، كما عبّر سلاح الجو الأميركي عن رغبته في امتلاك آلاف الطائرات ذاتية التشغيل من فئة "الجناح المخلص"، المصممة لدعم الطيارين البشر بدلًا من استبدالهم بالكامل. في المقابل، سارعت شركات الصناعات الدفاعية إلى طرح حلول تؤكد أن الطيران الذاتي الكامل بات ممكنًا من الناحية التكنولوجية.

 

لكن هذا السجال، وفق ما يرى الأسد، ما زال أسير التفكير التقليدي. فالسؤال الحقيقي لا يتعلّق فقط بوجود الطيار من عدمه، بل بهدف المنظومة القتالية نفسها. ويشرح بأن النموذج الذي تعمل عليه الولايات المتحدة، عبر شركات مثل Kratos وغيرها، يقوم على وجود طائرة مأهولة في الجو تُدعم بطائرات مسيّرة مرافِقة من نوع Loyal Wingman، تعمل بشكل شبه مستقلّ أو مستقلّ بالكامل.

 

في هذا النموذج، تكون مهمة الطائرة المأهولة – بحسب الأسد – "الابتعاد عن المجالات الخطرة، وإعطاء الأوامر وتوزيع المهام، فيما تُترك العمليات عالية الخطورة للطائرات غير المأهولة". وبهذه الطريقة، يجري تقليل المخاطر على الطيّارين من دون التخلّي عن الدور البشري بالكامل. ويؤكد أنّ هذه التكنولوجيا "لم تعد نظرية، بل أصبحت موجودة فعلياً، ونحن نتحدّث عن مستقبل قريب جداً".

 

صورة تعبيرية (مواقع)
صورة تعبيرية (مواقع)

 

ويمضي الأسد أبعد من ذلك، معتبراً أن التحوّل الأهم لا يكمن بالضرورة في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في بناء شبكات القتال. "نحن لا نحتاج إلى ذكاء اصطناعي متقدّم بالمعنى الشائع، بل نحتاج أساساً إلى Networking"، أي إلى شبكات اتصال وتنسيق تتيح لعشرات المنصات الجوية أن تعمل معًا في وقت واحد. وبدل طائرة واحدة، "يمكن أن يكون هناك خمسون عنصراً جوياً يعملون ضمن منظومة واحدة متكاملة".

 

هذا التحول في التفكير ينسجم مع الطرح القائل إن الجمع بين الطائرات المأهولة وغير المأهولة ليس جوهر القضية. فالميزة الحقيقية للطائرات غير المأهولة لا تكمن فقط في غياب الطيار، بل في إمكانية تصميمها من الأساس لأدوار لا يستطيع الإنسان القيام بها، سواء من حيث تحمّل التسارعات العالية، أو العمل ضمن بيئات شديدة الخطورة، أو الانطلاق من قواعد مرنة وغير تقليدية.

 

ويلفت الأسد إلى أن هذا المنطق لا يقتصر على سلاح الجو، بل يمتد إلى مجالات أخرى. ويضرب مثالًا بالعمليات الحديثة في مجال الاستخبارات الإلكترونية، حيث استُخدمت منظومات غير مأهولة، بما فيها مركبات غاطسة ذاتية التشغيل (SDV)، لاختراق دفاعات معقدة واستهداف مواقع حساسة بدقة عالية، في مؤشر على وصول المكننة العسكرية إلى مستويات غير مسبوقة.

 

مع ذلك، يشدّد الأسد على أنه لا يرى حاجة فعلية لتطوير أسلحة قائمة بالكامل على الذكاء الاصطناعي. "أنا مقتنع أكثر بالاستفادة من التجربة الأوكرانية، وبالاعتماد المكثف على الأنظمة غير المأهولة منخفضة الكلفة"، يقول. فالمسألة، برأيه، "ليست في التعقيد، بل في الفاعلية والكلفة". ويضيف متسائلًا: "ما الجدوى من درون تبلغ كلفته ثلاثة ملايين دولار، إذا كان بالإمكان تحقيق الهدف نفسه بدرون لا تتجاوز كلفته عشرين ألف دولار؟".

 

في الخلاصة، لا يبدو أن مستقبل القوة الجوية سيُحسم لصالح الطيار أو الآلة بشكل مطلق، بل إن إعادة تعريف أدوار الطائرات المأهولة وغير المأهولة، ضمن منظومات قتالية شبكية ومرنة، قد تكون هي الإجابة الأكثر واقعية على تحديات حروب المستقبل.

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/16/2025 3:18:00 PM
الرئيس اليمني حمّل حركة "حماس" مسؤولية استمرار الغارات الإسرائيلية والمجازر بحق الشعب الفلسطيني
المشرق-العربي 12/16/2025 5:26:00 PM
ترى باريس أن "حزب الله" يسيء فهم اتفاق وقف إطلاق النار ، مدعياً  أنه يتضمن نزع سلاحه في جنوب الليطاني فقط، في حين أنه يقوم الاتفاق على نزع سلاح الحزب في كل لبنان، وهذا مكتوب "أسود على أبيض" في الاتفاق
الولايات المتحدة 12/17/2025 8:59:00 AM
أوضحت جامعة MIT أن لوريرو كان أستاذاً في قسم العلوم والهندسة النووية وقسم الفيزياء، كما شغل منصب مدير مركز علوم البلازما والاندماج التابع للمعهد