رامز القرا*

إطلاق قطر شركة "كاي" المتخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا يبدو مجرد إعلان عن شركة جديدة، بل إعلان عن مرحلة مختلفة تماماً في مسار التحوّل الرقمي للدولة. فبعد سنوات من الاستثمار في البنية التحتية والاتصالات والخدمات الإلكترونية، تنتقل قطر اليوم إلى مستوى أعمق: بناء "العقل الرقمي" الذي يقود هذه المنظومات ويمنحها قيمة مضافة حقيقية.

"كاي" شركة وطنية تتبع جهاز قطر للاستثمار، لكنها عملياً تعمل ذراعاً استراتيجيةً لبناء منظومات رقمية متقدمة تدعم الابتكار والتنمية المستدامة، وتدفع الاقتصاد باتجاه نموذج قائم على المعرفة، بما ينسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030. لهذا تبدو "كاي" أقرب إلى مشروع وطني طويل الأمد منها إلى مجرد كيان تجاري ربحي.

جوهر فكرة "كاي" هو توفير بنية تحتية قوية للذكاء الاصطناعي: مراكز بيانات حديثة، قدرات حوسبة عالية الأداء، منصات آمنة لتخزين وتحليل البيانات، وبيئات متكاملة لتدريب النماذج ونشرها. وبدلاً من أن تضطر كل جهة لبناء منظومتها وحدها، تقدّم "كاي" هذه القدرات كمنصة مشتركة، تخفّض التكلفة والعقبات التقنية أمام الوزارات، والشركات الكبرى، وحتى الشركات الناشئة التي تريد دخول عالم الذكاء الاصطناعي من دون استنزاف مواردها.

جانب من حفل الإطلاق

في الوقت نفسه، تضع الشركة الإنسان في قلب المعادلة؛ فهي لا تتحدث عن ذكاء اصطناعي "أقوى" فحسب، بل عن ذكاء اصطناعي "مسؤول وآمن".

هذا يعني تصميم حلول تراعي الخصوصية، وتحدّ من التحيّزات في الخوارزميات، وتلتزم الشفافية في كيفية استخدام البيانات، وتستند إلى معايير صارمة في الأمن السيبراني. بهذه الطريقة يصبح الذكاء الاصطناعي أداة لتحسين جودة الحياة، وليس تهديداً غامضاً يقلق المجتمع.

وتراهن "كاي" كذلك على عنصر حاسم: الكفاءات البشرية. فالاستثمار في التقنيات دون الاستثمار في العقول محكوم عليه بالفشل. لذلك من المتوقع أن تعمل الشركة على استقطاب خبراء عالميين في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، بالتوازي مع بناء قدرات وطنية عبر برامج تدريب وتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث في قطر، إلى جانب دعم الشركات الناشئة التي تبني حلولاً فوق منصاتها.

تأثير "كاي" المحتمل يمتد إلى قطاعات حيوية عديدة: في الصحة يمكن أن تساهم حلولها في تسريع التشخيص وتحليل الصور الطبية، وفي التعليم في تصميم تجارب تعلّم مخصصة لكل طالب، وفي الطاقة والصناعة في رفع الكفاءة وتقليل الإهدار، وفي الخدمات الحكومية في جعل تجربة المواطن أكثر سلاسة وذكاءً من خلال منصات رقمية تتنبأ بالاحتياجات وتبسّط الإجراءات.

صحيح أن الطريق مليء بالتحديات؛ من منافسة عالمية شرسة وتسارع مذهل في تطور النماذج، إلى الحاجة لتحديث الأطر التشريعية باستمرار، لكن الجمع بين رؤية واضحة، ودعم سيادي قوي، واستثمار عميق في البنية التحتية والمعرفة، يجعل من "كاي" مرشحةً لتكون إحدى أعمدة ريادة قطر الإقليمية والدولية في عالم الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة.

*خبير في التحوّل الرقمي