مشاريع رقمية كبرى تدفع الإمارات إلى موقع متقدم في اقتصاد الذكاء الاصطناعي
تسجّل الإمارات حضوراً متزايداً في صناعة الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء مجمّعات بيانات واسعة وجذب استثمارات عالمية، في خطوة تنسجم مع خططها لتنويع مصادر الدخل وتعزيز قدراتها الرقمية.
وتعمل أبو ظبي حالياً على تطوير واحد من أضخم مجمّعات الذكاء الاصطناعي في العالم، يمتد على مساحة تعادل ربع باريس، ويضم مراكز بيانات بطاقة خمسة جيغاواط، لتُصبح أكبر منشأة من نوعها خارج الولايات المتحدة. ويشير مسؤولو شركة "خزنة" التابعة لمجموعة "جي42" إلى أن البنية الجديدة ستوفر قدرة حوسبية تكفي لخدمة نحو أربعة مليارات شخص ضمن نطاق يصل إلى 3200 كيلومتر.
ويأتي هذا المشروع ضمن مبادرة "ستارغيت الإمارات" التي تشغّل مرحلتها الأولى شركة "أوبن إيه آي"، بدعم شركات تقنية عالمية مثل "أوراكل" و"سيسكو" و"إنفيديا". كما أعلنت "مايكروسوفت" في تشرين الثاني/نوفمبر عن استثمارات تتجاوز 15.2 مليار دولار في الإمارات حتى عام 2029، بينها 1.5 مليار دولار مخصصة لمجموعة "جي42".

وقد رسّخت الإمارات حضورها في قطاع الذكاء الاصطناعي منذ 2017، عبر إطلاق استراتيجية وطنية وتعيين أول وزير مختص عالمياً، ثم تأسيس مجموعة "جي42" المدعومة من "مبادلة"، والتي توظف حالياً أكثر من 23 ألف شخص. وتقول الدولة إنها ضخت أكثر من 147 مليار دولار في القطاع منذ عام 2024، بما في ذلك استثمارات خارجية في مراكز بيانات في الولايات المتحدة وفرنسا.
وفي سياق فهم هذا التحوّل، يوضح الدكتور شربل باسيل، أستاذ الاقتصاد في جامعة قطر، في حديثه الى "النهار" أن الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي - مثل مشاريع "جي42" والشراكات الواسعة مع مايكروسوفت - تشكل نقطة تحوّل في الهيكل الاقتصادي للإمارات، إذ تعزّز الاقتصاد الرقمي وقد تُسرّع الابتكار في قطاعات أخرى. ويرى أن مشروع Stargate يضع الإمارات في موقع شريك تكنولوجي موثوق وحليف استراتيجي للولايات المتحدة، خصوصاً أن البنى التحتية للحوسبة المتقدمة باتت تُعد أصولاً استراتيجية تُشبه في أهميتها خطوط الأنابيب النفطية وكابلات الإنترنت، ما يجعل تأمينها ضرورة اقتصادية وأمنية عالمية.
ومع ذلك، يشير إلى أن الانتقال من استهلاك الذكاء الاصطناعي إلى إنتاجه لا يزال في مراحله الأولى. فعلى رغم التقدّم في نماذج "فالكون" وإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم منذ المراحل المبكرة، إلا أن بناء اقتصاد قادر على إنتاج نماذج تنافسية وقابلة للتصدير يتطلب وقتاً وتراكماً معرفياً وبيئة بحث وتطوير أكثر اتساعاً. ويذكّر بأن النماذج الرائدة التي نراها اليوم نتجت من استثمارات بدأت قبل نحو 15 عاماً، فضلاً عن أن هذا القطاع لايزال محتكراً إلى حد كبير من شركات وبلدان محدودة.
وتسعى الإمارات إلى تعزيز قدراتها البحثية عبر مبادرات مثل افتتاح معهد الابتكار التكنولوجي مختبراً بالشراكة مع "إنفيديا: لتطوير النماذج التوليدية وأنظمة الروبوتات، في خطوة تهدف إلى تقليل الاعتماد على المعدات والخبرات المستوردة وبناء منظومة تقنية مستدامة. غير أن تشغيل مراكز البيانات الضخمة يطرح تحديات بيئية مهمة، إذ يتطلب كميات كبيرة من الكهرباء تؤدي إلى انبعاثات غازية تُحدث آثاراً سلبية على البيئة والإنسان وقطاعات أخرى.
ورغم هذه التحديات، فإن استضافة الإمارات بنى تحتية رقمية متقدمة، إلى جانب بنيتها اللوجستية الحالية، يجعلها مرشّحة مركزاً إقليمياً وربما عالمياً لشركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ويبقى السؤال قائماً حول ما إذا كانت ستتحوّل إلى "وادي السيليكون" الخاص بالشرق الأوسط، وهو مسار ستتضح ملامحه مع استمرار الاستثمار في المهارات والبحث العلمي والشراكات الدولية خلال السنوات المقبلة.
نبض