التطوع الرقمي: آفاق جديدة للعمل المجتمعي في بيئة الذكاء الاصطناعي
*ليال غدار
يشهد العالم اليوم تحوّلاً جذريًا بفعل الرقمنة وانتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي أعاد صياغة طبيعة العمل المجتمعي والدور الذي يمكن أن يلعبه التطوع في التنمية. وبحسب تقرير State of the World’s Volunteerism الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين (UNV, 2022)، فإن التطوع يشكّل ركيزة أساسية لاستقرار المجتمعات، حتى وسط التحولات التقنية المتسارعة.
التطوع الرقمي كاستجابة لاحتياجات العصر
أدت الرقمنة إلى ظهور مفهوم "التطوع الرقمي"، الذي يسمح للأفراد بدعم المجتمعات من مواقع مختلفة حول العالم. ويشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD (2021) إلى أن التطوع الإلكتروني أصبح أحد أسرع أشكال المشاركة المدنية نموًا، خاصة مع تزايد الاعتماد على التعليم عن بُعد والمنصات الرقمية.
يسهم هذا النوع من التطوع في إتاحة فرص أكبر للمشاركة الاجتماعية، ويحدّ من العوائق الزمنية والجغرافية.
الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة للعمل التطوعي
تبيّن تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum, 2023) أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من إدارة البيانات وتحليلها في المؤسسات الإنسانية، مما يساعد في توجيه المتطوعين نحو أهم الاحتياجات. كما تُستخدم روبوتات الدردشة الذكية في دعم المتطوعين ومتابعة المستفيدين، وهو ما يؤكد أن التكنولوجيا لا تحل محل التطوع، لكنها تعزّز كفاءته.
دور التطوع في سد الفجوة الرقمية
رغم التقدم التقني، تؤكد تقارير الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC, 2020) أن الفجوة الرقمية ما تزال واسعة، خاصة لدى كبار السن والفئات الأكثر هشاشة. وهنا يأتي دور المتطوعين في تدريب الأفراد على استخدام التكنولوجيا، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الرقمية، مما يجعل التطوع عاملًا أساسيًا للعدالة الرقمية.
الحفاظ على البعد الإنساني وسط الأتمتة
يُجمع عدد من الباحثين، مثل Smith وStebbins وGrotz (2016)، على أن التطوع يحمل بُعدًا إنسانيًا لا يمكن للتكنولوجيا محاكاته. فالتعاطف، والدعم النفسي، وروح المبادرة، جميعها قيم لا تستبدلها الخوارزميات.
وعليه، يبقى التطوع مساحة لتحسين جودة الحياة وتعزيز الروابط الاجتماعية في عالم يتجه نحو الأتمتة.

التطوع وتمكين مهارات المستقبل
تشير دراسات Commission European (2022) إلى أن المشاركة في المبادرات التطوعية الرقمية تعزز قدرة الشباب على اكتساب مهارات مهمة مثل التفكير التحليلي، العمل التعاوني عبر المنصات، وإدارة المشاريع، وهي مهارات مُدرجة ضمن “مهارات المستقبل” المطلوبة لسوق العمل.
ومن ثم، يغدو التطوع وسيلة مزدوجة: خدمة للمجتمع، وتطوير للذات.
التطوع في زمن الرقمنة والذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد فعل إنساني تقليدي، بل أصبح ضرورة تنموية تعتمد عليها المجتمعات لتحقيق الشمول الرقمي، ورفع الوعي، وتطوير المهارات، والحفاظ على البعد الإنساني في عالم يتغير بسرعة.
فالتكنولوجيا تفتح أبوابًا جديدة للتطوع، لكنها في الوقت ذاته تجعل الحاجة للعطاء الإنساني أكبر من أي وقت مضى.
*خبيرة تربوية في التعليم والتدريب.
نبض