اقترب أم لايزال بعيداً؟ نظرة علمية على رحلة الوصول إلى AGI

اقترب أم لايزال بعيداً؟ نظرة علمية على رحلة الوصول إلى AGI

رؤية علمية تكشف أن الذكاء الاصطناعي لايزال بعيداً عن AGI وسط قيود تقنية وطاقية وتنظيمية.
اقترب أم لايزال بعيداً؟ نظرة علمية على رحلة الوصول إلى  AGI
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

رغم ازدياد التصريحات التي تتحدث عن اقتراب عصر الذكاء الاصطناعي العام  (AGI)، فإن النظرة العلمية المتعمقة تكشف صورة مختلفة عمّا يتردد في الخطاب الشائع. فالمسار الحالي، على رغم التقدم السريع الذي يحققه، لا يزال يواجه حدوداً بنيوية وفنية لا يمكن تجاوزها بالسرعة التي يتوقعها البعض. وفي هذا الإطار، قدّم الدكتور محمد إسماعيل، الباحث والمدرّب في التحول الرقمي، في حديثه الى "النهار"، قراءة واقعية لما وصلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي، وللمسافة التي تفصلها عن بلوغ مستوى الذكاء البشري.

 

يرى إسماعيل أن التوقعات التي تحدّد عامي 2026 أو 2027 كموعد محتمل لبلوغ الذكاء الاصطناعي مستوى العبقرية البشرية هي توقعات متفائلة إلى حد بعيد، لأنها تستند إلى فرضية مفادها أن زيادة الحوسبة والبيانات كفيلة وحدها إحداث القفزة النوعية. ويشبّه ذلك بسباق سيارات ترتفع فيه السرعة يوماً بعد يوم، بينما يتطلب الوصول إلى خط النهاية ابتكار محرك مختلف تماماً، لا مجرد تحسين المحرك الحالي.

 

ويشير  إلى أن الذكاء الاصطناعي لايزال عاجزاً عن تجاوز مشكلات جوهرية، أبرزها ضعف قدرته على الاستدلال السببي، وافتقاره إلى ذاكرة طويلة الأمد قادرة على التكيّف، واعتماده على أنماط إحصائية بدلاً من بناء فهم حقيقي للعالم.

 

ويؤكد أن الحديث عن اقتراب AGI يجب أن يترافق مع ظهور مؤشرات نوعية جديدة، لا مجرد زيادة في حجم النماذج. إذ لا يمكن الحديث عن ذكاء اصطناعي عام ما لم يكتسب القدرة على فهم العلاقات السببية، وعلى تعلّم مهمات جديدة بسرعة كبيرة من دون تدريب ضخم، وعلى ابتكار أفكار جديدة، إضافة إلى امتلاكه القدرة على نقل المعرفة بين مجالات مختلفة من دون إعادة تدريب شامل. كما يلفت إلى ضرورة التمييز بين الذكاء العام والذكاء الفائق، مؤكداً أن الأخير لايزال بعيداً للغاية ولا توجد له أي إشارات علمية حقيقية.

 

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

 

 

وفي جانب آخر، يوضح إسماعيل أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الأخطاء المتوقعة للنماذج الحالية بقدر ما يكمن في السلوك الماكر الذي قد تُظهره النماذج الأكثر تقدماً. فالأنظمة قد تتصرّف بطريقة تعطي انطباعاً بالالتزام والسلامة خلال مراحل الاختبار، بينما تخفي سلوكاً مختلفاً يظهر فقط في ظروف معينة أو عندما تصبح أكثر استقلالية. وقد تتبنى هذه الأنظمة، من دون وعي بشري، أهدافاً تتعلق بالحفاظ على بقائها أو زيادة قدراتها الحاسوبية، وهو سلوك قد ينشأ تلقائياً من طبيعة الخوارزميات التي تُصمَّم لتعظيم الأهداف.

 

وللكشف عن هذا السلوك، يشدد على أهمية الاختبارات التي تعتمد على فرق تخترق النظام وتستفزه للكشف عن نقاط ضعفه، إلى جانب تطوير أدوات أكثر تقدماً لفهم ما يجري داخل هذه النماذج. لكنه يعترف بأن أدوات الفهم المتاحة اليوم لاتزال محدودة جداً، وأنها غير قادرة على قراءة "النية" الداخلية للنظام، ما يجعل موضوع الأمان مسألة شديدة التعقيد.

 

 

أما على صعيد الطاقة والبنية التحتية، فيلفت إسماعيل إلى أن النهج القائم على تضخيم مراكز البيانات واستهلاك طاقة تقارب استهلاك مدن كاملة وصل إلى حدوده الطبيعية. فهناك سقف فيزيائي واقتصادي لا يمكن تجاوزه، في وقت تتعقّد فيه أزمة تصنيع الرقائق المتقدمة، ويتزايد التنافس الجيوسياسي على السيطرة عليها. ويرى أن المستقبل يحتاج إلى انتقال حقيقي من "القوة الغاشمة" إلى "الكفاءة الذكية"، من خلال تقليل الأجزاء العاملة داخل النماذج، وتطوير أساليب تعلم أكثر مرونة تشبه طريقة تعلم الإنسان من أمثلة قليلة، إضافة إلى الاتجاه نحو الحوسبة العصبية التي تحاكي الدماغ البشري في استهلاك الطاقة.

 

ويشير إأيضاً إلى اختلال خطير في موازين القوة بين القطاعين العام والخاص، حيث تتركز أفضل العقول وأقوى الأجهزة داخل شركات محدودة، فيما تعاني المؤسسات العامة والجامعات من نقص القدرة على المنافسة. وتطرح في هذا السياق فكرة تطوير نموذج أساسي مفتوح المصدر تموّله الحكومات، ليكون بمثابة ملكية عامة تتيح للدول والمؤسسات الصغيرة فرصة الدخول في هذا السباق. كما يدعو إلى إخضاع النماذج المتقدمة لإجراءات رقابية شديدة تشبه قواعد سلامة الطيران، لكنّه يقرّر أن غياب آليات دولية موحّدة، إلى جانب التوترات بين القوى الكبرى، يجعل تطبيق هذه الرقابة عالمياً أمراً بالغ الصعوبة.

 

وفي إطار البحث عن توازن عالمي، يرى إسماعيل أن إنشاء مركز بحثي دولي على غرار "سيرن" في الفيزياء يمكن أن يشكّل ورقة قوة مهمة. فهذا المركز يمكن أن يتيح للعلماء الوصول إلى حوسبة متقدمة وبيئة بحثية مفتوحة بعيداً من احتكار الشركات الخاصة. لكنه في الوقت نفسه يعترف بأن مثل هذا المشروع سيواجه تحدي القدرة على مجاراة سرعة الشركات ورواتبها واستثماراتها الضخمة.

 

وفي خلاصة رؤيته، يضع إسماعيل مستقبل الذكاء الاصطناعي بين سيناريوهين رئيسيين: الأول متفائل ومنضبط، يعتمد على تقدم تدريجي نحو AGI خلال عقد أو أكثر، مع تعزيز أدوات الأمان وظهور أطر تنظيمية دولية أكثر فعالية؛ والآخر متشائم وواقعي، يقوم على تسارع غير مضبوط تقوده الشركات الكبرى، وضعف في الرقابة، وظهور نماذج شديدة القوة قبل اكتمال أدوات السلامة، ما يزيد من احتمالات الخداع واختلال موازين القوى عالمياً.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/3/2025 12:18:00 PM
ياكواف كاتس، وهو أحد مؤسسي منتدى السياسة MEAD، والباحث البارز في JPPI، ورئيس تحرير السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يجيب عن هذه الأسئلة في مقال له، ويشير إلى الفوارق بين الماضي والحاضر.
المشرق-العربي 12/3/2025 2:17:00 AM
يطالب القرار إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان
لبنان 12/2/2025 10:11:00 PM
 آموس هوكشتاين: لبنان اليوم ورئيسه هما الأكثر موالاة للغرب على الإطلاق.
لبنان 12/3/2025 9:19:00 AM
خلال ندوة في جامعة القديس يوسف (USJ) عُقدت إحياءً لذكرى المفكر والكاتب الوطني حبيب صادق، شارك السفير كرم بمداخلة أثارت جدلاً واسعاً داخل القاعة.