ومضات الآلة… ومساحات الإنسان
تدخل علاقتنا بالذكاء الاصطناعي تفاصيل حياتنا بسرعة أكبر مما توقعنا. وما يلفت ليس قدرة هذه التقنيات على الإجابة فحسب، بل تلك اللحظة المفاجئة التي تومض فيها فكرة جديدة في أذهاننا بعد محادثة قصيرة معها. إنها لحظة بسيطة لكنها مؤثرة، تُشعرنا كأن هناك نوعاً من الانسجام العابر بين عقل إنساني مليء بالمشاعر والتجارب، ونظام حسابي يعمل بلا إرهاق أو تردد، كأن ضوءاً رقمياً يضيء زاوية لم نلتفت إليها من قبل.
ومع ذلك، فالحقيقة أبسط بكثير. فالعقل البشري تشكله سنوات من الخبرة، ومحاولات لا تُحصى، وتغيّرات يومية في أسئلتنا ونظرتنا للأشياء. أما الذكاء الاصطناعي فيتحرك وفق مسار واحد واضح، يعتمد على الاحتمالات وليس العمق. ومع هذا الاختلاف الكبير، قد يصادف أن يمرّ هذا النظام عبر تفكيرنا، فيكشف لنا فكرة كانت مخفية أو غير واضحة، كما لو أنه يرفع الغبار عن نقطة أهملناها.
هذه اللمحة مهمة، لكنها لا تعادل تجربة حياة كاملة. فالذكاء الاصطناعي لا يعرف قيمة التردد، ولا يعيش لحظات الفشل التي تصنع فهماً أعمق. ومع ذلك، قد يُغري بعضنا هذا الوضوح السريع فيتبنى لغة مصقولة وهادئة تشبه صوت الآلة، وينسى أن التفكير الحقيقي مليء بالتعرجات والأسئلة، وأن الفوضى أحياناً هي ما يمنح الفكرة صدقها.

القيمة الأساسية لهذه التكنولوجيا أنها تفتح نافذة جديدة للرؤية، وتضيف فكرة، وتقترح زاوية مختلفة. لكنها ليست بديلًا من الجهد البشري، ولا يمكن أن تكون طريقاً كاملاً نسير عليه. فالمعرفة التي تبقى لا تولد من لحظة واحدة، بل من التجربة، ومن الشك، ومن محاولة فهم الواقع بكل تفاصيله.
قد يسهل علينا الذكاء الاصطناعي لحظة، لكنه لا يستطيع أن يختصر حياة. وما يلمع أمامنا سريعاً يجب أن نتعامل معه كوميض يساعدنا على رؤية أوضح، ثم نكمل طريقنا بخطواتنا نحن، لأن العقل البشري وحده يعرف كيف يحوّل الشرارة إلى حكمة.
نبض