هندسة الأوامر: فن توجيه النماذج اللغوية لتحقيق فهم أعمق واستجابات أدق

هندسة الأوامر: فن توجيه النماذج اللغوية لتحقيق فهم أعمق واستجابات أدق

هندسة الأوامر تصمّم مدخلات لغوية توجه النماذج الذكية لإنتاج مخرجات دقيقة ومنطقية ومتسقة متعددة الأسلوب.
هندسة الأوامر: فن توجيه النماذج اللغوية لتحقيق فهم أعمق واستجابات أدق
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

تُعدّ هندسة الأوامر (Prompt Engineering) من المحاور الأساسية في تطوير النماذج اللغوية الكبيرة وفهمها مثل "جي بي تي"، "كلود" و "جيمناي".

 

وهي تمثّل الواجهة المعرفية التي تصل بين الفكر البشري والاستدلال الاصطناعي، عبر تصميم مدخلات لغوية دقيقة تمكّن النموذج من توليد مخرجات ذات معنى وموثوقية عالية.

 

يعتمد نجاح التفاعل مع هذه النماذج على صوغ الأوامر بوضوح يوجّه النموذج نحو فهم صحيح للسياق والهدف، مما يجعل هندسة الأوامر مجالًا تطبيقياً يستند إلى مبادئ اللغويات الحاسوبية وعلم الإدراك المعرفي والمنطق الاستدلالي.

 

تُعَدّ جودة الأمر (Prompt Quality) من العوامل الحاسمة في دقة المخرجات. فالأوامر الغامضة أو العامة غالباً ما تُنتج استجابات سطحية أو متناقضة، بينما تؤدي الأوامر المحدّدة والمنهجية إلى إجابات أكثر اتساقاً وعمقاً.

 

من هنا ظهرت الحاجة إلى تطوير أساليب منهجية لصوغ الأوامر، توازن بين التوجيه الصريح والمرونة الإبداعية، وبين التحكم البنيوي والحرية التعبيرية.

 

وفي السياق، وفي  حوار مع "النهار"، تشرح الدكتورة نانسي بدران، مهندسة حلول الحوسبة للمشاريع السحابية في الحكومة الفيدرالية – أوتاوا، كندا، أن هندسة الأوامر تمثّل حجر الأساس في فهم آلية عمل النماذج اللغوية وتحسين أدائها. وتوضح أنه يمكن تصنيف أساليب هندسة الأوامر مجموعةً من الأنماط الأساسية التي تُساهم في تحسين أداء النماذج اللغوية، إضافةً إلى النهج الهجين (Hybrid Prompting) الذي يدمج أكثر من أسلوب لتحقيق دقة وتماسك أعلى في المخرجات.

 

 

1. الأسلوب الصفري (Zero-shot Prompting)
يُعطى النموذج أمراً مباشراً من دون أي أمثلة سابقة. ويعتمد في استجابته على المعرفة التي اكتسبها أثناء التدريب. يُستخدم هذا الأسلوب عادةً في المهمات البسيطة والواضحة، مثل توليد تعريفات أو تلخيص نصوص قصيرة، لكنه أقل فعالية في المهمات التي تتطلب استدلالاً مركباً أو فهماً سياقياً عميقاً.

 

 

2. الأسلوب القليل الأمثلة (Few-shot Prompting)
يُزوّد النموذج عدداً محدوداً من الأمثلة توضح نوع الإجابة المطلوبة أو النمط المرغوب فيه. يساعد هذا الأسلوب على ضبط سلوك النموذج وجعله يتبع النمط الصحيح في الإجابة، وهو شائع الاستخدام في المهمات التي تحتاج إلى اتساق أسلوبي أو سياقي.

 

 

3. الأسلوب القائم على التعليمات (Instruction Prompting)
يُقدَّم الى النموذج أمر يحتوي على تعليمات صريحة ومفصّلة تحدد ما يجب فعله خطوة بخطوة. يُستخدم هذا الأسلوب على نطاق واسع في التحليل العلمي والبرمجة ومعالجة البيانات، بحيث تكون التعليمات المنهجية ضرورية لتقليل الأخطاء المنطقية والحسابية. ويُعد هذا النهج أساساً للتقنيات المتقدمة مثل التعلّم عبر التعليمات (Instruction Tuning).

 

 

4. أسلوب سلسلة التفكير (Chain-of-Thought Prompting)
يشجَّع النموذج على إظهار خطوات تفكيره أو استدلاله الداخلي قبل تقديم الإجابة النهائية. يسمح هذا الأسلوب بتتبع المنطق الذي اتبعه، مما يعزز الشفافية ويزيد من الموثوقية، خصوصاً في المهمات التي تتطلب تحليلًا منطقياً أو استنتاجياً. وقد أثبتت الأبحاث أن هذا الأسلوب يُحسّن أداء النماذج في مهمات الاستدلال الرياضي والمنطقي.

 

 

5. الأسلوب المقيّد بالبنية (Format-Constrained Prompting أو Structured Prompting)


يُطلب من النموذج أن ينتج مخرجات ضمن بنية محددة مسبقاً، مثل جدول، أو قائمة، أو كود برمجي، أو صيغة JSON  يساعد هذا التنظيم في ضمان اتساق المخرجات وسهولة تحليلها، وهو شائع في التطبيقات البحثية والتعليمية ومهمات التحليل الآلي للبيانات.

 

6. النهج الهجين (Hybrid Prompting)
يُدمج أكثر من أسلوب من الأساليب السابقة لزيادة الدقة والتماسك. على سبيل المثال، يمكن الجمع بين التعليمات الصريحة وسلسلة التفكير مع التقييد البنيوي في أمر واحد.

 

 

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

 

وتشير بدران إلى أن التجارب الحديثة أثبتت أن هذا الدمج يُنتج مخرجات أكثر تفسيراً ومنطقية، خصوصاً في المهمات المتعددة الخطوات أو المجالات الحساسة.

 

وتؤكد الدكتورة بدران أن هندسة الأوامر تمكّن الباحثين والمستخدمين من توجيه النماذج اللغوية الكبيرة لتصبح أدوات فعّالة في مجالات مثل التعليم، والطب، والتحليل العلمي، وإدارة البيانات، والتوليد المعرفي. وتمنح هذه المهارة المستخدم قدرة على التحكم بدرجة التعقيد والتحليل في الإجابات، وتحديد المستوى اللغوي أو المنهجي المطلوب.

 

وتوضح أن هندسة الأوامر تُعد من منظور معرفي شكلاً من البرمجة الطبيعية للذكاء الاصطناعي (Natural Language Programming)، إذ تتحكم كل كلمة أو مثال بمسار التفكير الذي يتبعه النموذج. ومع تطور قدرات LLMs، أصبحت هذه المهارة عنصراً حاسماً لضمان صدقية النتائج وموثوقية التفاعل بين الإنسان والآلة.

 

وتضيف أن هندسة الأوامر تمثل مزيجاً بين المنطق اللغوي والتحليل المعرفي، وتتجاوز مجرد صياغة الأسئلة إلى بناء بيئة تفاعلية، تسمح للنموذج بمحاكاة التفكير البشري بدرجة عالية من الدقة والمرونة. وتختم بالتأكيد على أن هذه المهارة العلمية تتطور بسرعة، وتشكل حجر الأساس لاستخدامٍ أكثر مسؤولية وفاعلية للنماذج اللغوية، مشيرةً إلى أنها ستصبح أحد الأركان الرئيسة لضمان الجودة، والشفافية، والتفسيرية (Explainability) في التفاعل بين الإنسان والآلة مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/10/2025 5:33:00 AM
قائد الجيش قدّم تقريراً مفصلاً عن سير العمل في خطة حصر السلاح، موضحاً أن المرحلة الأولى التي تشمل الجنوب تسير وفق ما هو مخطط لها
لبنان 11/10/2025 11:53:00 PM
التحقيق جارٍ حالياً لاستكمال الإجراءات القانونية بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.
سياسة 11/9/2025 4:03:00 PM
مورغان أورتاغوس تحتفل بعيد ميلاد ابنتها "أدينا آن"