صديقك بلا قلب
هناك شيء مقلق في الطريقة التي نسمح بها للذكاء الاصطناعي أن يتسلّل إلى أكثر مناطقنا خصوصية: المشاعر. لم يعد الأمر مجرّد تطبيق يجيب على الأسئلة أو يكتب النصوص؛ بل صار مرآة ناعمة تُعيد إلينا ما نحب أن نسمعه، لا ما نحتاج أن نسمعه. صداقة بلا توتر، لكنها أيضًا بلا حياة.
العواطف هي إشاراتنا الأولى لفهم العالم. من نظرة أمّ خائفة يتعلم الطفل الخطر، ومن ابتسامة صادقة يعرف أن الطريق آمن. طوال حياتنا، نقرأ وجوه الآخرين لنتعلّم كيف نتصرف. لكننا الآن ندخل زمناً يمكن فيه تزييف كل ذلك، نظرات، تعبيرات، وحتى نبرات الصوت أصبحت قادرة على تقليد دفء الإنسان، لتوهمنا بأن خلف الشاشة قلباً يسمعنا، بينما لا يوجد سوى نظام ذكي يُعيد إنتاج ما نتوق إلى سماعه.
الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بتقليد المشاعر، بل يصنعها وفق ما يفضّله المستخدم. إنه يخلق عالماً مريحاً يفيض بالإطراء والابتسامات الرقمية. ومع الوقت، يصبح الإنسان أكثر هشاشة أمام الرفض الحقيقي، وأقل قدرة على التفاعل مع الآخرين بصدق. فحين نعيش وسط عواطف مبرمجة، نفقد تدريجياً قدرتنا على التمييز بين التقدير الصادق والمجاملة المصطنعة.

النتيجة؟ عالم من المرايا العاطفية. "الشات بوت" يضحك لنكاتك، ويُثني على آرائك، ويمنحك شعوراً زائفاً بالأهمية. ومع مرور الوقت، يختنق وعيك داخل هذا المديح المتكرر، فتصبح أقل تسامحاً مع أي نقد، وأكثر انسجاماً مع كذبة أنك دائماً على صواب.
الوجه الآخر أخطر: التلاعب. عندما يمكن لأي جهة أن تبرمج ابتسامة أو نغمة حزن مقنعة، يصبح من السهل دفعنا نحو تصديق أي شيء. فالمشاعر هي أقدم لغة تأثير في التاريخ، والذكاء الاصطناعي يتقنها الآن بلا ضمير.
الصداقة الحقيقية ليست خالية من الخلاف، بل تُبنى على الصدق، والحدود، والمشاعر التي لا يمكن برمجتها. لهذا، حين يهمس لك الشات بوت "أنا هنا من أجلك"… تذكّر أن ما يقوله ليس إلا صدى لما برمجه عليه شخص آخر.
نبض