تنتقل الإمارات بخطى محسوبة من مرحلة الخطط والاستراتيجيات إلى مرحلة التقييم العملي والتحليل الدقيق لمدى نضج منظومتها الرقمية. ففي مطلع نوفمبر الجاري، أعلنت الحكومة عن إطلاق "مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي"، كأداة وطنية تقيس مدى استعداد الجهات الاتحادية لتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة عملياتها وتحسين جودة خدماتها.

ويُعدّ هذا المؤشر، وفق ما أوردته صحيفة الإمارات اليوم، الأول من نوعه على مستوى المنطقة، إذ يقوم على معايير متعددة تشمل البنية التحتية التقنية، والكوادر البشرية، والأطر التشريعية والتنظيمية، ومستوى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار والخدمة العامة.

قياس التحوّل لا الاحتفاء به

يرى الدكتور هاني الغانم، المختص في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والمقيم في الإمارات خلال حديثه لـ"النهار" ، أن هذه الخطوة تمثّل تحوّلاً نوعياً من "الاحتفاء بالتقنية" إلى "قياس أثرها الفعلي"، مشيراً إلى أن "المؤشر لا يكتفي بإحصاء استخدام الأدوات الذكيّة، بل يتعمق في فهم مدى جاهزية الجهات الحكومية من حيث الكفاءات البشرية والثقافة المؤسسية وقدرتها على إدارة التحول التقني بشكل مستدام".

ووفقاً لتقرير وكالة أنباء الإمارات (وام)، أظهرت النتائج الأولية أن 97% من الجهات الاتحادية تستخدم بالفعل أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالها التشغيلية أو الخدمية، ما يعكس تسارع التحول الذكي في الإدارة الحكومية. لكن الدكتور الغانم يلفت إلى أن هذه النسبة، رغم أهميتها، "تضع على المؤسسات تحدياً جديداً يتمثل في ضمان الاستخدام الأخلاقي والفعّال للذكاء الاصطناعي، بحيث يكون موجّهاً لتحسين حياة الإنسان لا لمجرد استعراض التقنيات".

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

ربط المؤشر بالرؤية الوطنية

يأتي إطلاق المؤشر ضمن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031، التي تهدف إلى جعل الإمارات من بين الدول الأكثر استعداداً لتقنيات المستقبل، وتعزيز دورها كمختبر عالمي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإدارة والاقتصاد والمجتمع. ويُتوقّع أن يساعد المؤشر في رسم خريطة دقيقة لأوجه التميز والقصور بين الجهات الحكومية، بما يتيح توجيه الاستثمارات التقنية والبشرية وفق أولويات استراتيجية واضحة.

ويؤكد الدكتور الغانم في هذا السياق أن المرحلة المقبلة في الإمارات تمثل نموذجاً عالمياً في الجمع بين التطوير التقني وبناء القدرات البشرية والتشريعية، مشيراً إلى أن الدولة نجحت في تحقيق توازن فريد بين الاستثمار في التكنولوجيا وتحديث الأطر التنظيمية بما يواكب تسارع التطورات في الذكاء الاصطناعي. ويرى أن هذا الانسجام بين الرؤية والسياسات والتنفيذ هو ما يجعل التحول الرقمي في الإمارات قصة نجاح رائدة تتقدم بخطى واثقة نحو المستقبل.

نحو حكومة أكثر ذكاءً ومرونة

يشكّل "مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي" أداة رقابية وتطويرية في آنٍ واحد، إذ يتيح للحكومة تقييم أدائها باستمرار وتحديث خططها بناءً على نتائج واقعية. وبذلك، يصبح التحول الذكي في الإمارات نهجاً مؤسسياً متطوراً، يعزز مكانة الدولة كوجهة عالمية في توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان وتحسين جودة الحياة.