من الـ"WWW" إلى "أطلس": رحلة المتصفحات.. رفيقنا إلى العالم الرقمي
 
                                    قبل عقود، كان الإنترنت أرضاً مجهولة، مليئة بالنصوص البسيطة والروابط الزرقاء، حيث كان الوصول إلى المعلومات مهمة تتطلّب جهداً، وقتاً، أدوات ومهارات. في قلب هذا العالم، في أوائل الثمانينيات، ظهر العالم البريطاني تيم بيرنرز لي في مختبر CERN بسويسرا، مبتكراً برنامج Enquire، الذي سمح للباحثين بمشاركة الملفات والمعلومات بطريقة منظّمة. لم يكن هذا المتصفح هو الأول على الإطلاق، لكنه كان الشرارة التي مهّدت الطريق لإنشاء شبكة الويب العالمية، حين ربط WorldWideWeb المعلومات عبر خوادم يمكن الوصول إليها من أيّ مكان، تجسيداً لفكرة المستقبل الرقميّ، قبل أن يكون مفهوماً مألوفاً. 

من البدايات إلى "أطلس"
مع حلول أوائل التسعينيات، بدأ المشهد الرقمي يتحرك بوتيرة أسرع؛ متصفحات مثل Erwise وViolaWWW قدّمت واجهات تسمح بعرض النصوص والصور، بينما جاء Mosaic في 1993 ليتميز بإمكانية إضافة الصور إلى صفحات الويب، كما تضمن مميزات مثل الصوت، الفيديوات، وملفات التسجيل. هذا التحول فتح المجال أمام ملايين المستخدمين لاكتشاف الإنترنت لأول مرة.
ثم اندلعت حروب المتصفحات الأولى منتصف التسعينيات بين Netscape Navigator وInternet Explorer من مايكروسوفت، حين قدما للمستخدمين خيارات لم يعرفوها من قبل: تصاميم جديدة، سرعة أفضل، وتجربة أكثر سلاسة. على الرغم من هيمنة Internet Explorer في أواخر التسعينيات بفضل استغلاله لنظام Windows، فإن  ظهور Firefox في الألفينات أعاد المنافسة، مجسّداً قوة المجتمعات مفتوحة المصدر.
asdfv.jpeg)
مع الإعلان عن سفاري من شركة أبل عام 2003 وGoogle Chrome في 2008، كنا نصل إلى حقبة السرعة والكفاءة والتكامل مع الإنترنت الحديث. المتصفحات لم تعد مجرد نافذة على الويب، بل أدوات لإدارة حياتنا اليومية، من البريد الإلكتروني إلى المهام المكتبية، مروراً بالتسوق والتسلية. كانت كل خطوة تقدّمية تحمل وعوداً بتجربة أكثر سلاسة وتفاعلية للمستخدمين.
وصولاً إلى العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ومعه الذكاء الاصطناعي أعيد تعريف مفهوم المتصفح من جديد. متصفحات مثل كوميت من شركة الذكاء الاصطناعي بربليكسيتي، وأطلس الذي أعلنت عنه أخيراً أوبن إيه آي والمدمج بتقنيات تشات جي بي تي، لم تعد مجرد أدوات لعرض المواقع، بل صارت عبارة عن مساعدين يمكنهم التحكم بعملية التصفح لدى المستخدمين، والقيام بإجراءات مثل حجز رحلة طيران أو ملء استمارة أو تحرير مستند. ما كان يُعدّ مستحيلاً قبل سنوات أصبح اليوم واقعاً.

سباق السيطرة تغيّر... ماذا عن التحديات الأمنية؟
حول ذلك، يرى د. محمد الكيالي، رئيس الاتحاد الدولي للتكنولوجيا والاتصالات (IFGICT)، أن سباق السيطرة على المتصفحات الإلكترونية يشهد تحوّلاً جذرياً مع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، إذ لم يعد التنافس كما كان في العقود السابقة قائماً على تقديم أسرع تجربة تصفّح، بل على القدرة على جمع البيانات وتحليلها ودمجها في أنماط استخدام الأفراد.
وأوضح الكيالي، في حديث إلى "النهار"، أن المتصفحات لم تعد مجرد أدوات للوصول إلى الإنترنت، بل أصبحت منصّات متكاملة تطور خدمات أكثر تخصيصاً للمستخدم. واعتبر أن المرحلة المقبلة ستشهد تحوّلاً في طبيعة العلاقة بين المستخدم والمتصفح، مع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام اليومية.
لكنه نبّه إلى أن هذا التطوّر لا يخلو من تحديات أمنية خطيرة، إذ "قد يفتح هذا التطور الباب أمام سرقة بيانات المستخدمين أو مراقبة نشاطهم على الإنترنت، وتحديداً في المواقع التي تتطلّب تسجيل الدخول وكلمات المرور بشكل متكرر".
اليوم، ونحن ننتقل من عالم النوافذ الثابتة إلى المتصفحات الذكية، يبدو أن رحلة الإنترنت لم تنته بعد. كل نقرة، وكل بحث، وكل تفاعل مع المتصفح هو امتداد لمسار بدأ منذ أيام WorldWideWeb، مروراً بحروب المتصفحات، وصولاً إلى عصر الذكاء الاصطناعي الذي يجعل من تصفح الإنترنت تجربة شخصية ومتكاملة أكثر من أيّ وقت مضى، ولكنها مليئة بالتحديات الأخلاقية والأمنية في آنٍ معاً.
 
     
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             نبض
                                                                        نبض
                                                                     
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                