الذكاء الاصطناعي يُشعل مواجهة النّفوذ داخل وادي السّيليكون

احتدمت خلال الأيام الأخيرة المواجهة بين كبرى شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون والمنظمات المدافعة عن أمان الذكاء الاصطناعي، بعد تصريحات مثيرة أطلقتها شخصيات بارزة في هذا القطاع.
فقد أثار كل من ديفيد ساكس، المبعوث الرئاسي للذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية في البيت الأبيض، وجيسون كوون، كبير مسؤولي الاستراتيجية في شركة "أوبن إيه آي"، موجة واسعة من الجدل، أعادت تسليط الضوء على الصراع المتنامي بين دعاة التقدم السريع في التقنية وأنصار ضبطها بقواعد أكثر صرامة.
ووفقاً لما نشره موقع "تك كرانش"، تبادل الطرفان الاتهامات بشأن دوافع جماعات السلامة التقنية، وسط مؤشرات على أن الجدل لم يعد مقتصراً على الجانب الأخلاقي أو العلمي، بل تحوّل إلى ساحة تنافس اقتصادي وسياسي على النفوذ والتأثير.
اتهامات متبادلة وتوتر داخل الصناعة
وجه ساكس انتقادات حادة لشركة "أنثروبيك"، المنافسة الرئيسية لـ"أوبن إيه آي"، متهماً إياها بممارسة ضغوط منظمة على صناع القرار في واشنطن، عبر الترويج لمخاطر مبالغ فيها حول الذكاء الاصطناعي، بغرض تمرير تشريعات تخدم مصالحها التجارية وتحد من قدرة الشركات الناشئة على المنافسة.
وجاءت تصريحاته رداً على مداخلة أدلى بها جاك كلارك، المؤسس المشارك لـ"أنثروبيك"، خلال مؤتمر ناقش المخاطر المجتمعية المتوقعة من التقنية.
واتهم ساكس الشركة بانتهاج ما سماه "الاستحواذ التنظيمي"، أي السعي للسيطرة على مسار السياسات الحكومية المرتبطة بالتقنية، فيما اعتبر مراقبون أن تصريحاته تمثل محاولة لإضعاف التيار المطالب بتشريعات تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحد من تجاوزاته.
خطوة قانونية تعمّق الانقسام
أفادت "تك كرانش" بأن شركة "أوبن إيه آي" أقدمت على توجيه مذكرات استدعاء قانونية إلى عدد من المنظمات غير الربحية العاملة في مجال أمان الذكاء الاصطناعي، من بينها مؤسسة Encode، مطالبة بالكشف عن مراسلاتها مع إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ.
وبررت الشركة الإجراء بأنه يهدف إلى ضمان "الشفافية"، بينما رأت منظمات معنية بالأمان أن الخطوة تمثل ضغطاً قانونياً لإسكات الانتقادات، خصوصاً بعدما اتهمت تلك الجهات "أوبن إيه آي" بالابتعاد من رسالتها الأصلية كمؤسسة غير ربحية.
حتى داخل الشركة نفسها، ظهرت أصوات معارضة، إذ كتب جوشوا أشيام، مدير قسم مواءمة الأهداف، على منصة "إكس": "قد يكون هذا الرأي مكلفاً لمسيرتي، لكن ما نفعله لا يبدو صائباً".
قلق يسود أوساط المنظمات المستقلة
عدد من قادة منظمات السلامة غير الربحية فضّلوا التحدث من دون الكشف عن أسمائهم، مبررين ذلك بخشيتهم من فقدان التمويل أو التعرض لضغوط مباشرة.
وقال أحدهم إن ما يحدث في وادي السيليكون "ليس سوى حملة ترهيب تستهدف الأصوات المنتقدة وتمنع النقاش الحر حول مستقبل التقنية".
في المقابل، أوضح بريندان ستاينهاوزر، الرئيس التنفيذي لتحالف Alliance for Secure AI، أن بعض الشركات الكبرى، وفي مقدمتها "أوبن أيه آي"، تنظر إلى المدافعين عن الأمان وكأنهم جزء من حملة يقودها ماسك، برغم أن العديد منهم يوجّهون انتقادات مماثلة لشركته xAI.
انقسام داخلي حول وتيرة التطور
تشير هذه التطورات إلى انقسام واضح داخل القطاع بين من يرى أن تسريع التطوير ضروري للحفاظ على التفوق التكنولوجي والاقتصادي، ومن يطالب بإبطاء وتيرة الابتكار لتفادي آثار أخلاقية واقتصادية غير محسوبة.
وبرغم ضخ مليارات الدولارات في هذا المجال، فإن المخاوف تتزايد من أن تؤدي التشريعات الجديدة إلى تقييد الاستثمار أو دفع الابتكار إلى خارج الولايات المتحدة.
وفي خطوة لافتة، تبنّت ولاية كاليفورنيا الشهر الماضي أول قانون خاص بسلامة روبوتات الدردشة (Chatbots)، في مؤشر على تصاعد نفوذ التيار الداعي إلى ضبط التقنية مع اقتراب عام 2026.
صراع مفتوح على من يضع القواعد
يرى محللون أن هذا الاشتباك بين الشركات العملاقة والمنظمات الحقوقية ليس سوى بداية لمعركة أوسع حول من سيحدد مستقبل الذكاء الاصطناعي في العالم:
هل تبقى السيطرة بيد شركات وادي السيليكون التي تمتلك المال والخبرة؟ أم ستتدخل الحكومات والمجتمع المدني لرسم الإطار القانوني والأخلاقي؟
في مشهد تقوده الخوارزميات وتموله رؤوس أموال ضخمة، تتحول قضية "سلامة الذكاء الاصطناعي" من نقاش أكاديمي إلى ميدان صراع على السلطة والنفوذ والتشريع.