الذكاء الاصطناعي التوليدي… شريك المبرمج لا منافسه
*نديم الفحيلي
شهدت السنوات الأخيرة تحولا جذرياً في مجال البرمجة مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPTو GitHub Copilot وأداة Gemini من Google. هذه الأنظمة القادرة على إنتاج أكواد برمجية نصيا أحدثت ثورة في طبيعة عمل المبرمجين، إذ أصبحت قادرة على توليد أجزاء كبيرة من الشفرة بشكل تلقائي. على سبيل المثال، أعلنت شركة GitHub في 2024 أن ما يقارب نصف الشفرة التي ينتجها مستخدمو أداة Copilot هي من توليد الذكاء الاصطناعي دون أن يعني ذلك الاستغناء عن دور المبرمج البشري فبحسب تأكيد الرئيس التنفيذي للشركة .
فهذه الأدوات تعمل كمساعد ذكي يسرع العمل بدلا من أن تحل محل المبرمجين تمامًا. وقد أتاح Copilot للمطورين إنجاز بعض المهام بنسبة أسرع وصلت إلى %55 وفق بحث مشترك بين GitHub ومعهد wired.com MIT ، كما ذكر Satya Nadella مدیر مايكروسوفت أن هذه التحسينات الكبيرة في الإنتاجية يُتوقع أن تمتد لأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى أيضا . ونتيجة لذلك، أفاد مهندسو برمجيات بأن الاعتماد على المساعدات الذكية يوفر لهم مئات الساعات . أتمتة الأعمال الروتينية، مما يسمح بالتركيز على المشكلات الأعقد والأكثر إبداعا (بحسب موقع Bloomberg 2024).
إعادة تأهيل المبرمجين في عصر الذكاء الاصطناعي
لمواجهة هذه التحديات وضمان استمرار دور المبرمج البشري بفعالية يبرز توجه قوي نحو إعادة التأهيل والتدريب المستمر للمبرمجين الحاليين. الهدف هو تزويدهم بالمهارات والأدوار الجديدة التي يتطلبها سوق العمل في عصر الذكاء الاصطناعي. نذكر هنا أهم المجالات والمحاور الأساسية التي يمكن أن ينتقل إليها المبرمجون أو يطوّروا خبراتهم فيها:
1-أدوار هندسة الذكاء الاصطناعي (Al Engineering): يمكن للمبرمجين توسيع نطاق مهاراتهم ليصبحوا مهندسي ذكاء اصطناعي، فيطوروا نماذج التعلم الآلي والخوارزميات الذكية ذاتها بدلا من الاكتفاء بكتابة الشفرة التقليدية. يتضمن ذلك فهما أعمق لتقنيات تعلم الآلة والشبكات العصبية ومعالجة البيانات الضخمة، مما يفتح آفاقا وظيفية جديدة تتزايد الحاجة إليها في الشركات. وتشير التوجهات الحديثة إلى أن الطلب على متخصصي الذكاء الاصطناعي آخذ في الارتفاع، ما يجعل هذا الانتقال خيارًا مستقبليًا واعدا للمبرمجين.
2-الإشراف على النماذج وضبط الجودة: في ظل اعتماد المؤسسات على أنظمة الذكاء الاصطناعي، تظهر حاجة لدور المشرف أو المراقب البشري الذي يتولى مراجعة مخرجات النماذج والتأكد من دقتها وموثوقيتها. يمكن للمبرمجين تولي مهام مثل فحص الشفرة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، واختبارها بحثًا عن الأخطاء، وضبط أداء النماذج باستمرار. فعلى سبيل المثال، تؤكد شركة GitHub أن وجود المبرمج كمشرف يضمن استخداما حكيمًا لأداة Copilot ويحول دون قبول المقترحات الخاطئة دون تمحيص . بهذا الدور يصبح المبرمج حلقة وصل ضرورية بين ما ينتجه الذكاء الاصطناعي ومتطلبات الإنتاج الحقيقية.
3- تعزيز الإنتاجية عبر التكامل مع الأدوات الذكية بدلاً من مقاومة المد التقني، ينصح المبرمجون بتبنّي عقلية "المبرمج المعزز بالذكاء الاصطناعي". ويعني ذلك تعلم كيفية استخدام أدوات مثل Copilot و ChatGPT بكفاءة ضمن بيئة التطوير لزيادة سرعة ودقة كتابة الأكواد تظهر الدراسات أن فرق العمل التي تدمج مساعدي البرمجة الذكية تحقق إنجارًا أكبر في وقت أقل ، وبالتالي يحافظ المبرمج على دوره مع رفع إنتاجيته ويتضمن ذلك أيضا تطوير مهارات هندسة المحادثة (Prompt Engineering) أي صياغة المدخلات للذكاء الاصطناعي بشكل يضمن أفضل المخرجات الممكنة.
في الختام، يبدو جليًا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيظل عاملًا تحويليًا في عالم البرمجة. مهنة المبرمج لن تختفي، لكنها بلا شك ستُعاد صياغتها بصورة مختلفة. المبرمج الناجح في المستقبل هو ذلك الذي يفهم نقاط قوة وضعف الذكاء الاصطناعي ويعرف كيف يستفيد منه لتعظيم إنتاجيته وإبداعه. وبدلًا من النظر إلى الذكاء الاصطناعي كتهديد، حريّ بالمبرمجين النظر إليه كأداة قوية تفتح أبوابًا جديدة للابتكار وتحررهم من المهام الرتيبة.
*دكتور في التكنولوجيا المالية وخبير في الذكاء الاصطناعي – جامعة السوربون، باريس
نبض