الوكيل الذكي… ملامح عصر لا يعرف التعب
* رامز القرا
هل تخيلت يومًا أن تعمل إلى جانب زميل لا ينام، لا يطلب زيادة في الراتب، ويطوّر نفسه كل ليلة دون أن يحتاج إلى إجازة؟ زميل لا يغيب بسبب الإرهاق، ولا ينسى المهام، بل يتعلم من كل تجربة. هذا الزميل الجديد ليس إنسانًا، بل "وكيل ذكي" يعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي. فكرة كانت خيالًا علميًا منذ سنوات، لكنها اليوم أصبحت واقعًا يطرق باب كل مكتب وكل مهنة.
تخيّل أنك مدير مبيعات، وبدل أن تمضي ساعات في تحليل أرقام الأداء، يقوم وكيل ذكي بإعداد تقرير مفصل عن اتجاهات السوق، ويقترح عليك استراتيجيات البيع المثلى بناءً على بيانات حقيقية من الأشهر السابقة. أو تخيّل طبيبًا يتلقى مساعدة من وكيل ذكي يراجع آلاف السجلات الطبية في ثوانٍ ليقترح تشخيصًا دقيقًا، أو محاميًا يستخدم وكيلًا ذكيًا يبحث في مئات القضايا السابقة ليستخلص منها الحكم الأقرب لملفه الحالي.
هؤلاء الوكلاء ليسوا مجرد "برامج"، بل عقول رقمية تتعلم وتتطور. يمكنهم الرد على العملاء باحترافية، وإدارة الجداول والمواعيد، وكتابة ملخصات التقارير، بل وحتى تقديم نصائح مالية واستثمارية، دون أن تطلب منهم ذلك صراحة في كل مرة.

لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو: ماذا يعني هذا لمستقبل الوظائف؟ من الواضح أن المهام الروتينية تتجه إلى الزوال؛ فلم يعد الموظف مضطرًا لإدخال البيانات يدويًا أو الرد على الأسئلة المتكررة، إذ باتت هذه الأعمال تُنجز خلال ثوانٍ بفضل الوكلاء الذكيين. غير أن هذا لا يعني اختفاء الوظائف، بل تحوّلها من تنفيذية إلى إبداعية، ومن التكرار إلى التفكير.
سوق العمل نفسه سيتغير. فالقيمة الحقيقية ستُمنح لمن يعرف كيف يتعاون مع الذكاء الاصطناعي، لا لمن يخشاه. وسنشهد أدوارًا جديدة مثل مدرّب وكلاء الذكاء الاصطناعي الذي يعلّم الأنظمة كيف تتفاعل مع البشر، أو منسق التفاعل البشري–الآلي الذي يضمن أن الذكاء الاصطناعي لا يخرج عن السيطرة في المؤسسات الكبرى. وفي مجال التعليم، قد يصبح لكل معلم وكيل ذكي يتابع أداء الطلاب ويقترح طرقًا لتحسين نتائجهم، بينما سيكون في المستشفيات مساعدين رقميين يراقبون حالة المرضى لحظة بلحظة.
صحيح أن البعض يخشى أن يُقصى من المشهد، لكن هذا الخوف غالبًا ما ينبع من سوء الفهم. فكما لم تلغِ الكهرباء دور الإنسان بل جعلته أكثر إنتاجًا، لن يلغي الذكاء الاصطناعي دوره أيضًا، وإنما سيعيد توزيع الأدوار بطريقة أكثر كفاءة. المعادلة بسيطة: من يتقن استخدام هذه الأدوات سيتقدم، ومن يقاوم التغيير سيتراجع. التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في وجود الذكاء الاصطناعي، بل في استعدادنا نحن لاستقباله، كأفراد ومؤسسات ومجتمعات.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس المستقبل، بل هو الحاضر الذي نعيشه بالفعل. والوكلاء الذكيون ليسوا خصومًا للبشر، بل شركاء جدد في رحلة العمل. ومن يتقن التعامل معهم اليوم، سيكون قائد الغد.
*خبير في التحول الرقمي
نبض