الإنسان والذكاء الاصطناعي… معادلة التكامل

أصبحت علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي محورًا رئيسيًا في النقاشات العلمية والمهنية، مع تزايد الأسئلة حول حدود هذه العلاقة: هل نحن أمام أداة مساعدة فحسب، أم أمام شريك جديد يعيد تشكيل بيئات العمل؟ للإجابة، جاءت دراسة جامعة هارفارد "Cybernetic Teammate: Field Study of Human-AI  Collaboration"  (الزميل السيبراني: دراسة ميدانية حول التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي)، لتكشف عبر تجربة عملية أن مستقبل هذه العلاقة يقوم على التكامل لا الاستبدال، وأن قيمة الذكاء الاصطناعي الحقيقية تتجلى عندما يعمل جنبًا إلى جنب مع الإنسان.

وقد خلصت الدراسة، التي أجريت في ورشة عمل افتراضية ليوم واحد بمشاركة موظفي شركة Procter & Gamble، إلى أن الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع والانفتاح ويرفع المشاعر الإيجابية، لكنه لا يلغي الدور البشري. كما أشارت إلى أن الحماس قصير المدى قد يقابله لاحقًا تحديات مثل الإرهاق المعرفي، مقاومة التغيير، والحاجة إلى بناء الثقة مع الأنظمة الذكية.

في حديثها لـ"النهار": الدكتورة فيولا مخزوم تفسر النتائج

التكامل بدل الاستبدال
تؤكد الدكتورة فيولا مخزوم، الأستاذة الجامعية والباحثة في تكنولوجيا التربية والتعليم ومديرة المركز الديمقراطي العربي في لبنان، أن نتائج الدراسة تثبت أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون بديلًا كاملًا للتعاون البشري:
"فالآلة لا تستطيع محاكاة الذكاء العاطفي أو الحس الأخلاقي أو الوعي الثقافي، وهي عناصر أساسية لاتخاذ قرارات عادلة وشمولية. لكنه يبرع في التحليل السريع ومعالجة البيانات، ما يسمح للبشر بالتركيز على الإبداع والرؤية الاستراتيجية."
وترى أن القيمة الحقيقية تكمن في التحالف بين الإنسان والآلة، لا في تفوق أحدهما على الآخر.

الذكاء الاصطناعي كجسر معرفي
توضح مخزوم أن من أبرز مزايا الذكاء الاصطناعي قدرته على إذابة الحواجز بين التخصصات:
"يمكنه الربط بين البرمجة والتسويق، أو تحويل الرؤى العلمية إلى نماذج أعمال قابلة للتطبيق. وهنا يصبح جسرًا معرفيًا يدفع المؤسسات إلى تبني فرق متعددة التخصصات."
وتضيف أن هذا التحول سيقود إلى ظهور وظائف هجينة جديدة مثل مصمم ابتكار رقمي وخبير استراتيجيات الذكاء الاصطناعي، ما ينقل بيئات العمل إلى نموذج "الخبرة المدمجة".

المدى الزمني: قصير مقابل طويل

وتنتقد مخزوم قصر التجربة على يوم واحد:
"هذا لا يكفي لرصد التأثيرات العميقة. فالحماس الأولي قد يخفي تحديات تظهر مع الوقت مثل الإرهاق المعرفي ومقاومة التغيير وبناء الثقة مع الأنظمة الذكية."
وتشير إلى أن دراسات طويلة الأمد قد تكشف تحولات أعمق في الثقافة المؤسسية، لكن أيضًا مخاطر مثل فقدان بعض المهارات أو الاعتماد المفرط على الآلة.

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

الأثر العاطفي: بين الدعم والاعتماد
وتعتبر مخزوم أن المشاعر الإيجابية التي رصدتها الدراسة مؤشر مهم:
"عندما يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كشريك داعم، يزداد شعور الأمان والانتماء، ما يعزز الإبداع ويقلل التوتر النفسي."
لكنها تحذر من التعلق المفرط:
"قد يقود إلى اعتماد غير صحي أو خيبة أمل عند فشل الأنظمة، لذا من الضروري تعزيز الوعي النقدي بحدود التقنية."

كيف يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا متكاملاً

وترى مخزوم أن الذكاء الاصطناعي لن يصبح عضوًا فاعلًا في الفرق ما لم يمتلك خصائص متقدمة، منها:
• ذكاء عاطفي اصطناعي يفهم مشاعر الأفراد.
• التكيف مع السياق المؤسسي.
• تواصل طبيعي متعدد الثقافات.
• شفافية وحماية للخصوصية.
• التعلم التعاوني مع الفريق.
• تحفيز الإبداع الجماعي.

تختتم مخزوم حديثها مع "النهار" بالتأكيد على أن المستقبل يقوم على شراكة استراتيجية بين الإنسان والآلة:

"عندما تُصمم الأنظمة بحيث تراعي البعد الإنساني والعاطفي إلى جانب الكفاءة التقنية، يتحول الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة إلى شريك إبداعي حقيقي يعيد تعريف الفرق البشرية ويفتح آفاقًا جديدة للتنمية المستدامة."