الذكاء الاصطناعى والمسنين فى العصر الرقمى

*د. إسلام محمد سرور
يُشكّل اليوم العالمي لكبار السن، الذي يُحتفل به سنوياً، فرصة متجددة لتأكيد الالتزام بحماية حقوق هذه الفئة وصون كرامتها. ومع تسارع التحولات التكنولوجية، برز الذكاء الاصطناعي كقوة ثورية قادرة على إعادة تشكيل جوانب متعددة من الحياة، لا سيما في مجال الرعاية الصحية وتمكين كبار السن من الاستقلالية والاندماج في المجتمع. ووفق تقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يتضاعف عدد من تجاوزوا 65 عاماً ليصل إلى 1.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، الأمر الذي يجعل من الضروري دراسة تأثيرات الذكاء الاصطناعي على حقوقهم واستكشاف سبل تسخيره لخدمتهم.
يحمل الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات وعوداً كبيرة بتحسين رعاية المسنين، خصوصاً في مواجهة التحديات الصحية المزمنة. ومن أبرز التطبيقات الملموسة ما طورته شركة كندية من أداة قائمة على الأجهزة اللوحية لتحليل الكلام، تساعد في الكشف المبكر عن مؤشرات الخرف والاضطرابات النفسية. وفي المكسيك، جرى تطوير نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد علامات فقدان البصر الناتجة عن اعتلال الشبكية السكري، وهو السبب الرئيس للعمى، ما يرفع كفاءة التشخيص المبكر. كما توفر تقنيات "الجرونوتكنولوجي" إمكانات واسعة للمراقبة عن بعد وتعزيز استقلالية كبار السن. ومن الأمثلة المهمة أيضاً مبادرات الاتحاد الأوروبي مثل برنامج AAL، الذي أطلق مشروع "DOMEO"، وهو روبوت منزلي صُمم لدعم كبار السن وتحسين نوعية حياتهم اليومية.
ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يثير تحديات جدية تتعلق بالحقوق والكرامة. فمسألة الخصوصية وحماية البيانات الحساسة تظل هاجساً أساسياً مع اتساع نطاق الأجهزة التي تجمع معلومات بيومترية وطبية دقيقة. كما أن التحيز الخوارزمي، الناتج عن مجموعات بيانات غير ممثلة، قد يقود إلى نتائج غير عادلة وتمييزية. ويضاف إلى ذلك الإقصاء الرقمي، حيث يعاني الكثير من كبار السن من محدودية في المهارات الرقمية، ما يجعلهم عرضة للتهميش. وقد حذر تقرير صادر عن وكالة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي من أن التمييز على أساس العمر (Ageism) قد يتفاقم بفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي إذا لم تُصمَّم بعناية تراعي احتياجات هذه الفئة.
لتجنب هذه المخاطر وضمان أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تمكين حقيقية، تبرز مجموعة من التوصيات والسياسات. في مقدمتها تعزيز التمكين الرقمي عبر برامج تدريبية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لضمان دمج كبار السن في المجتمع الرقمي. كما أن اعتماد منهجية التصميم التشاركي بمشاركتهم في مراحل البحث والتطوير يضمن تطوير حلول أكثر ملاءمة. إضافة إلى ذلك، فإن جمع بيانات شاملة تراعي التنوع العمري وتشكيل فرق عمل متعددة الأعمار يقلل من احتمالية التحيز ويحقق شمولية أوسع.
كما تبرز أهمية تعزيز الشفافية والوضوح في كيفية عمل تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتمكين كبار السن من فهم تأثيراتها المباشرة على حياتهم عبر برامج لمحو الأمية الرقمية. ويجب كذلك صون حقوق الموافقة والاعتراض بشكل قانوني، وفق المبادئ الأخلاقية الدولية التي أكدت عليها منظمات مثل اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مع إنشاء آليات وطنية للرصد والتقييم المستمر لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على هذه الفئة.
في الختام، يُمثل الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف الثالث المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه. ومن خلال تبني أطر قانونية وأخلاقية استباقية، يمكن ضمان توافق التقدم التكنولوجي مع احترام كرامة كبار السن وحقوقهم، بما يعزز الشيخوخة النشطة والآمنة ويصون مكانتهم كذاكرة المجتمع وركيزة كرامته.
*المستشار القانوني والاجتماعي والخبير في القانون الدولي، والباحث في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.