روما تفتح عهد تشريعات الذكاء الاصطناعي

يشهد العالم سباقاً محمومًا لوضع أطر قانونية تضبط الذكاء الاصطناعي وتحدّد مساحته بين حماية الحقوق وتشجيع الابتكار. وفي أوروبا، كانت إيطاليا السباقة بإقرار قانون وطني شامل في 17 أيلول/سبتمبر 2025، لتكون أول دولة أوروبية تطبّق الإطار التشريعي للاتحاد الأوروبي على مستوى داخلي عبر قواعد عملية وملزمة.
خلال حديثه لـ"النهار"، أكد المحامي والمستشار القانوني عيسى المعاني، المتخصص في القانون التجاري وتنظيم البيانات والذكاء الاصطناعي، أنّ هذه الخطوة تمثل محطة فارقة في التجربة الأوروبية، إذ أرست مبدأ "الإنسان في حلقة القيادة"، وألزمت مزوّدي ومشغّلي الأنظمة الذكية بمعايير شفافية وقابلية تتبّع القرارات، خصوصًا في القطاعات الحساسة.
تنظيم الصحة والتعليم وسوق العمل
يوضح المعاني أن القانون يفرض على مزوّدي أدوات التشخيص الطبي المدعومة بالذكاء الاصطناعي الاحتفاظ بسجلات دقيقة لتتبّع قرارات النماذج، على أن يبقى القرار النهائي بيد الطبيب. أما في سوق العمل، فقد منع التشريع أي رفض آلي محض لطلبات التوظيف من دون مراجعة بشرية وتقارير تفسيرية واضحة.
عقوبات على التضليل وحماية للقاصرين
ولفت المعاني إلى أن القانون أدخل ولأول مرة عقوبات جنائية صارمة على نشر "ديب فيك" مضلّل يسبب ضررًا، حيث تتراوح العقوبة بين سنة وخمس سنوات حبس. كما فرض قيودًا لحماية القاصرين، إذ يشترط الحصول على موافقة أولياء الأمور عند استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي لمن هم دون الرابعة عشرة من العمر.
هيئات إشراف وتمويل مخصّص
وأشار المعاني إلى أن القانون أسند مهمة الإشراف إلى هيئتين وطنيتين هما: وكالة الرقمنة الإيطالية والوكالة الوطنية للأمن السيبراني. كما استند في جانبه الاستثماري إلى صندوق ضمن خطة CDP Venture Capital بقيمة مليار يورو للفترة 2024-2028، مع تخصيص 300 ألف يورو سنويًا للمشاريع التجريبية في 2025 و2026. لكنه لفت إلى أن هذه الموارد "تبقى محدودة مقارنةً بحجم الاستثمارات العالمية في هذا القطاع".
مقارنة دولية ودروس للمنطقة العربية
وعن المقارنة مع تجارب أخرى، أوضح المعاني أن النهج الإيطالي يختلف عن الولايات المتحدة التي تعتمد إطاراً قطاعياً مرناً، وعن الصين التي توجّه استثمارات مركزية تحت رقابة صارمة. وقال: "إيطاليا قدّمت صيغة وسطية، حيث جمعت بين تشريع متكامل، آليات تمويل، وأسس جنائية وحقوقية واضحة".
أما بالنسبة للدول العربية، فرأى المعاني أن القانون الإيطالي يشكّل نموذجاً عملياً يمكن الاستفادة منه، شرط تكييفه مع الخصوصيات المحلية. وختم بالقول: "التحدي الأكبر في منطقتنا هو كيف نضع قواعد لعبة وطنية تحمي المواطنين، من دون أن تخنق الشركات الناشئة".