ذكاء يتحرك بذاته… بداية عصر الوكلاء الآليين

*هيلدا معلوف

بعدما تصدّر الذكاء الاصطناعي واجهة التحولات الرقمية في العالم، نقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تُعرف بـ "الذكاء الاصطناعي الوكيلي" (Agentic AI). هذه التقنية لا تقتصر على تحليل البيانات أو تقديم التوصيات، بل تعمل كوكيل مستقل قادر على اتخاذ القرارات وتنفيذ المهمات المعقدة بشكل ذاتي داخل المؤسسات.

ما الذكاء الاصطناعي الوكيلي؟
يُقصد به أنظمة ذكاء اصطناعي تتمتع بخصائص الاستقلالية والهدفية والتعلّم المستمر. هذه الأنظمة لا تنتظر تعليمات خطوة بخطوة، بل تحدد الأهداف وترسم خططاً لتحقيقها، وتتكيف مع التغيرات وتتعامل مع مواقف جديدة، تماماً كما يفعل الموظف البشري، لكن بسرعة ودقة أعلى.

تطبيقاته في عالم الأعمال

1. خدمة العملاء الذكية: وكلاء افتراضيون قادرون على الردّ الفوري على استفسارات العملاء عبر قنوات متعددة (الهاتف، المحادثة، البريد الإلكتروني) مع تقديم حلول مخصّصة.
2. إدارة العمليات: أنظمة تتولى التخطيط للمشاريع، وتوزيع المهام، ومتابعة التنفيذ، من دون تدخل بشري مباشر.
3. القطاع المالي: وكلاء لإدارة المحافظ الاستثمارية، ومراقبة المخاطر، وتنفيذ التداولات في الوقت الحقيقي.
4. التسويق والمبيعات: ذكاء اصطناعي يتابع العملاء المحتملين، يُرسل عروضاً مصممة خصيصاً، ويعدل استراتيجيات الحملات بشكل لحظي.
5. الموارد البشرية: من فرز السير الذاتية وتحديد المرشحين الملائمين لمنصب ما، إلى وكلاء داخليين يجيبون عن استفسارات الموظفين بشأن السياسات والإجراءات.

فوائده للمؤسسات
- خفض التكاليف التشغيلية من خلال الأتمتة المتقدمة.
- زيادة الإنتاجية بفضل السرعة في اتخاذ القرار.
- تحسين تجربة العملاء من خلال التخصيص والاستجابة الفورية.
- تمكين الابتكار من خلال تحليل ضخم للبيانات وتوليد حلول جديدة.

تحديات ومخاطر
رغم المزايا الكبيرة، ثمة تحديات لا بد من التعامل معها:

- الثقة والشفافية: إلى أي مدى يمكن الاعتماد على القرارات التي يتخذها الذكاء الوكيلي بشكل مستقل؟
-الأمن السيبراني: قد تشكّل أنظمة بهذا المستوى من الاستقلالية خطراً إذا تعرضت للاختراق.
- المواءمة الأخلاقية: ضرورة التأكد من أن أهداف الذكاء الاصطناعي تتوافق مع قيم المؤسسة وقوانينها.
- الاعتماد المفرط: فقدان العنصر البشري لجزء من السيطرة إذا لم تتم إدارة التكنولوجيا بحذر.

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

مستقبل الذكاء الاصطناعي الوكيلي في المنطقة
يتوقع الخبراء أن يشهد العالم العربي طفرة في الاعتماد على هذه التقنيات، خصوصاً في القطاع المالي والخدمات الحكومية والتجارة الإلكترونية. ومع استعداد الحكومات والشركات في الخليج ولبنان للاستثمار في التحول الرقمي، فإن الذكاء الاصطناعي الوكيلي يشكّل ركيزة أساسية في تعزيز الكفاءة وتقديم خدمات أكثر تطوراً للمواطنين والعملاء.

ليس الذكاء الاصطناعي الوكيلي مجرد أداة جديدة، إنما يمثل نقلة نوعية في دور الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات، من مجرد دعم القرار إلى المشاركة الفعلية في صياغته وتنفيذه. وسيشهد المستقبل القريب مؤسسات يقودها تحالف بشري–آلي، حيث يعمل الإنسان والآلة جنباً إلى جنب لخلق بيئات أعلى كفاءة وأكثر ابتكاراً.

*مستشارة الذكاء الاصطناعي المعتمدة في "أكسفورد"