ظلّ الذّكاء الاصطناعي البديل في بيئة العمل

شهدت بيئة العمل تحولات متسارعة مع دخول التكنولوجيا الشخصية إلى المكاتب، بدءاً من ظاهرة جلب الأجهزة الشخصية وصولاً إلى ما عرف لاحقاً بتكنولوجيا الظل، حيث اعتمد الموظفون أدوات غير رسمية مثل Slack وDropbox لتجاوز قيود تقنية المعلومات. واليوم، يتكرر المشهد مع ما يُعرف بجلب الذكاء الاصطناعي البديل، حيث يستخدم الموظفون أدوات ذكاء اصطناعي خارج سيطرة المؤسسات.
تشمل هذه الأدوات "تشات جي بي تي" من "أوبن إيه آي"، و"بارد" من "غوغل"، و"كلود" من "أنثروبيك"، وغيرها. ويستغلها الموظفون لكتابة رسائل البريد، تلخيص التقارير، البرمجة، والعصف الذهني، غالباً بعيداً من إشراف الإدارة. ووفق تقرير Work Trend Index من "مايكروسوفت و"لينكد إن"، فإن 75% من موظفي المعرفة جربوا الذكاء الاصطناعي، و78% منهم يعتمدون على أدواتهم الخاصة. كما أظهرت دراسة أخرى أن 29% من الموظفين يدفعون من مالهم لاستخدام هذه الأدوات، فيما أكد 80% أن إنتاجيتهم ارتفعت بفضلها.
لكن هذه الممارسات لا تخلو من مخاطر. إدخال بيانات الشركات في روبوتات عامة يثير مخاوف أمنية وخصوصية. فقد منعت "سامسونغ" استخدام "تشات جي بي تي" بعد تسريب أكواد داخلية، وفرضت بنوك كبرى قيوداً مشابهة. ومع ذلك، يظل من الصعب مراقبة استخدام الموظفين لأجهزتهم الخاصة في منازلهم، ما يهدد بفقدان المؤسسات السيطرة على بياناتها وعملياتها. يضاف إلى ذلك أن كثيراً من الموظفين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي دون أي تدريب رسمي؛ إذ لم يتلقَّ سوى 39% منهم تدريباً، بينما لا تخطط سوى 25% من المؤسسات لتقديم تدريب قريباً. والنتيجة بيئة فوضوية أقرب إلى "الغرب المتوحش"، حيث يجرب كل موظف الأدوات بطريقته الخاصة بلا ممارسات موحدة أو قواعد واضحة.
وفي هذا السياق، أوضحت نانسي بدران، مهندسة حلول الحوسبة للمشاريع السحابية في الحكومة الفيدرالية – أوتاوا، كندا، في مقابلة مع "النهار"، أن هذه الظاهرة تكشف فجوة واضحة بين سرعة تبني الموظفين للتقنيات الجديدة وتباطؤ المؤسسات في التكيف معها. وتضيف بدران أن المؤسسات تخاطر بخسارة مكاسب إنتاجية هائلة بسبب غياب التدريب والإشراف، مؤكدة أن "ترك الموظفين يخوضون التجربة بأنفسهم يعني إعادة اختراع العجلة بدلاً من بناء قاعدة مشتركة من أفضل الممارسات". وترى أن الحل يكمن في مزيج من توفير أدوات رسمية آمنة واستثمار حقيقي في تدريب الموظفين، وهو ما يحوّل الذكاء الاصطناعي البديل من تهديد خفي إلى فرصة استراتيجية للنمو والابتكار.
الحل العملي، كما يظهر في تجارب عالمية، هو توفير أدوات ذكاء اصطناعي مؤسسية مثل ChatGPT Enterprise من "أوبن إيه آي"، أو Copilot من "مايكروسوفت"، التي تضمن الأمان والامتثال. وبهذا، يمكن للمؤسسات تحويل الظاهرة من نشاط سري يهددها إلى قوة منظّمة تدعم تطورها في عصر الذكاء الاصطناعي.