الآلة تكتب الأخبار… لكن بأي ثمن؟

الذكاء الاصطناعي في الإعلام يفرض شفافية، مراجعة بشرية، سياسات تنظيمية، وتدريب خبراء لمواجهة التضليل والتحديات.
الآلة تكتب الأخبار… لكن بأي ثمن؟
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

 

تتقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة لافتة، لتدخل عالم الإعلام من أوسع أبوابه، وتفتح الباب أمام أسئلة جوهرية عن حدود استخدامها ودورها إلى جانب الخبرة الإنسانية والحسّ النقدي للصحافيين.

خلال مقابلة أجرتها معها "النهار"، قدّمت المخرجة والسيناريست الأردنية سهى إسماعيل رؤية شاملة حول هذا الموضوع، متطرقة إلى أبعاد تقنية وأخلاقية ومهنية، ومحذّرة في الوقت نفسه من مخاطر الاستسهال وفقدان السيطرة على المحتوى في عصر تتغير فيه قواعد اللعبة بسرعة غير مسبوقة.

شفافية ومراجعة
ترى إسماعيل أنّ الخطوة الأولى لتحقيق توازن بين التقنية والمهنية تبدأ من الشفافية مع الجمهور، أي توضيح أين استُخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل المرئي، والغرض من هذا الاستخدام، فتح نقاش علني حول مدى نجاعتها في تحقيق المطلوب. فالمشاهد له الحق في أن يعرف ما إذا كان بعض المشاهد أو البيانات أو المؤثرات قد صُنعت بالذكاء الاصطناعي، ولماذا؟

وتؤكد أنه مهما كانت قدرات التقنية متقدمة، فإن المراجعة البشرية تبقى عنصرًا حاسمًا. ففي الفيديو مثلاً، قد يضيف الذكاء الاصطناعي عناصر غير دقيقة داخل الكادر، أو ينتج حركة غير واقعية، ما قد يسيء للعمل إن لم تتم مراجعته بعين خبيرة قبل النشر.

وتشدد على أنّ اللقطات المولّدة بالذكاء الاصطناعي لا مكان لها في الوثائقيات والتقارير الإخبارية إلا في ظروف استثنائية، مثل انعدام الأرشيف أو استحالة التصوير، أو في حال كان الهدف طرح قضية مرتبطة بالتقنية نفسها، مثل موضوعات التزييف العميق أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

مواجهة التضليل
تلفت إسماعيل إلى أن انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي جعل العبث بالمحتوى المرئي والمسموع والمكتوب أمرًا في غاية السهولة، ما يفرض تحديات ضخمة على المؤسسات الإعلامية. وتقول إنّ هذا الواقع يستدعي تمكين الخبراء من أدوات وتقنيات متقدمة لكشف أي تزييف أو تضليل قد يُستخدم للتأثير في الرأي العام، مؤكدة أنّ الذكاء الاصطناعي نفسه يمكن أن يكون جزءًا من الحل عبر تطوير تقنيات للتحقق من صحة المحتوى.

سياسات الخبراء ودورهم
وتعتبر أنّ الخبراء المسلحين بالتقنيات الحديثة هم بمثابة "حراس البوابة"، وعليهم مسؤولية كبرى في وضع سياسات واضحة تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام. هؤلاء، بحسب قولها، ليس مطلوبًا منهم الانبهار الأعمى بالتقنيات الجديدة والانجراف وراءها بلا وعي، كما لا يُنتظر منهم رفضها والتقوقع في الماضي. بل عليهم صوغ قواعد تحمي الحرفة الصحافية وفي الوقت نفسه تتيح الاستفادة من التقنية لتوفير الوقت والجهد وزيادة الإنتاجية ورفع الكفاءة.

 

وتشير إلى أمثلة عملية لتوظيف التقنية في مؤسسات إعلامية كبرى، مثل صحيفة "الإندبندنت" التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في إنشاء ملخصات مع مراجعة بشرية، وتجربة "واشنطن بوست" التي طورت خدمة للدردشة التفاعلية مع القراء مع تحذيرهم من أنها لاتزال في طور التجربة. كما تتعدد الاستخدامات في مجالات تحليل البيانات الضخمة، والترجمة، وتحويل النصوص إلى صوت أو فيديو، وحتى اقتراح العناوين.

 

صورة تعبيرية موّلدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية موّلدة بالذكاء الاصطناعي

 

مخاطر الاستسهال
تحذّر إسماعيل من الاستسهال الذي قد يرافق الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. وتقول: "من غير المقبول أن ننتج تقريرًا إخباريًا أو وثائقيًا عن حدث حي يمكن تصويره أو تتوافر له لقطات أرشيفية ومواد توثيقية، ثم نلجأ إلى صناعة لقطات جديدة بالذكاء الاصطناعي فقط لأنها أسهل أو أسرع أو أكثر إبهارًا بصريًا".
وترى أنّ دور الصحافي وصانع الوثائقيات هو توظيف المحتوى الحقيقي المتاح، وأنّ المشاهد لا ينتظر أن يرى تقريرًا عن قضية راهنة مصنوعًا بالذكاء الاصطناعي من دون مبرر منطقي، لأن ذلك يشكك في أصالة العمل الإعلامي برمته.

تدريب المهارات ودمجها
في ختام حديثها، تتطرق إلى مسؤولية المؤسسات الإعلامية في تدريب الأجيال الجديدة وتمكينها. وتستعيد تجربة ظهور المنصات الرقمية حين استعان بعض المؤسسات بصناع محتوى رقمي يفتقرون إلى الخبرة الصحافية، ما خلق فجوة بين جيل يتقن الحرفة التقليدية من دون معرفة الأدوات الحديثة، وجيل يجيد استخدام التقنية من دون امتلاك أساسيات المهنة.

وتحذّر من تكرار الخطأ نفسه مع الذكاء الاصطناعي، داعية إلى تدريب الكوادر الإعلامية المخضرمة على هذه الأدوات وقيادة طرق توظيفها، مؤكدة أنّ تعليم الخبير الصحافي استخدام التقنية أسهل بكثير من تعليم المبتدئ أصول المهنة.

كما ترى أن من واجب المؤسسات الإعلامية إنتاج وثائقيات وبرامج حوارية لتوعية الجمهور بإيجابيات الذكاء الاصطناعي وسلبياته، خصوصاً في مجال الإعلام، بحيث يصبح الجمهور شريكًا في النقاش حول هذه التحولات الكبرى.

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 9/9/2025 9:07:00 AM
ارتفاع سعري البنزين والمازوت وانخفاض سعر الغاز
اقتصاد وأعمال 9/9/2025 10:49:00 AM
هل يفعلها لبنان ويفتتح مسار بيع قسم من الذهب، ويفتح الباب الذي كان مقفلاً منذ نشوء الدولة اللبنانية، أمام أي مشروع للتصرف بأي من أملاك الدولة أو احتياطاتها، ويبقي على "الأصفر الرنان" ويحفظه للأجيال القادمة؟