من القمامة إلى الذهب: كيف يقود الذكاء الاصطناعي ثورة الاقتصاد الدائري
*د. نجوى ازهار
في عالم يواجه استنزافاً متسارعاً لموارده الطبيعية، وتراكماً غير مسبوق للنفايات، أصبح التحول إلى الاقتصاد الدائري ضرورة ملحة حيث يقوم هذا النموذج الاقتصادي على إطالة عمر المنتجات، وإعادة استخدامها، وإعادة تدويرها، بدلًا من نهج “الإنتاج ثم الاستهلاك ثم الرمي” السائد منذ عقود. ومع دخول الذكاء الاصطناعي (AI) على الخط، ظهرت فرصة تاريخية لتسريع هذا التحول وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف 12 المتعلق بالاستهلاك والإنتاج المسؤولين، والهدف 8 حول العمل اللائق والنمو الاقتصادي.
إعادة التدوير والفرز: دقة أسرع من العين البشرية
تظل إدارة النفايات واحدة من أصعب التحديات البيئية، خصوصاً مع تضخم حجم المخلفات البلاستيكية والإلكترونية. هنا، يقدم الذكاء الاصطناعي حلولًا عملية من خلال أنظمة فرز ذكية تعتمد على الرؤية الحاسوبية والتعلم الآلي لتمييز أنواع النفايات وفصلها بدقة متناهية.
على سبيل المثال، طورت شركة AMP Robotics في الولايات المتحدة روبوتات مدعومة بـ AI يمكنها التعرف على أكثر من 80 نوعاً من المواد، وتفرزها بسرعة تفوق العامل البشري بثلاثة أضعاف، مع معدلات دقة عالية. تقلل هذه التقنيات النفايات المرسلة إلى المكبات، وتزيد كفاءة إعادة التدوير، وتخفض تكاليف المعالجة.
التصميم من أجل الاستدامة: منتجات تعيش أطول
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متقدماً في تصميم المنتجات بحيث تكون أسهل في التفكيك والإصلاح وإعادة الاستخدام. من خلال تحليل بيانات دورة حياة المنتج (Life Cycle Analysis)، يمكن للخوارزميات تحديد المواد والتصاميم التي تقلل من الهدر وتطيل عمر المنتج.
هذه المقاربة، التي تعرف بـ "التصميم من أجل الاستدامة"، تعني أن الهاتف الذكي أو الأثاث أو حتى الملابس لن تتحول بسرعة إلى قمامة، بل يمكن إصلاحها أو إعادة تدويرها، مما يوفر الموارد ويحمي البيئة.
سلاسل توريد ذكية: التنبؤ لتقليل الهدر
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على إدارة النفايات، بل يمتد إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد نفسها. باستخدام التحليلات التنبؤية، يمكن للشركات التوقع بدقة للكميات المطلوبة من المواد الخام، وتجنب الإنتاج الزائد أو التخزين المفرط، وهما سببان رئيسيان للهدر البيئي والاقتصادي.
كما يمكن لـ AI تقييم الموردين بناءً على التزامهم بالمعايير البيئية والاجتماعية، مما يعزز الشفافية ويشجع على ممارسات تجارية مسؤولة.

نحو ثورة رقمية خضراء
إن دمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الدائري ليس مجرد تحسين لعمليات قائمة، بل هو تحول جذري في طريقة تعاملنا مع الموارد. تخيلوا مصانع قادرة على إعادة استخدام مخلفات إنتاجها كمادة أولية، أو مدن ذكية تدير نفاياتها كمخزون اقتصادي يدر الأرباح. يفتح هذا النهج الباب أمام "ثورة رقمية خضراء"، حيث تتكامل الابتكارات التقنية مع السياسات البيئية لخلق نظام اقتصادي أكثر مرونة وكفاءة، وأقل استنزافًا للكوكب.
في ظل التغيرات البيئية والاقتصادية المتسارعة، يمنحنا الذكاء الاصطناعي فرصة فريدة للاقتراب من اقتصاد دائري يحول التحديات إلى فرص، والنفايات إلى موارد ذات قيمة، لكنه في المقابل يفرض علينا مسؤولية استخدامه بحكمة وضمن رؤية واضحة، لأن دمج الابتكار التكنولوجي مع القيم الأخلاقية والاجتماعية هو الطريق نحو بناء مستقبل أخضر أكثر عدالة واستدامة.
*خبيرة التنمية المستدامة
نبض