"أنثروبيك" ترى تهديداً و"إنفيديا" ترى فرصة: من ينتصر في سوق العمل الجديدة؟

أطلق داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة "أنثروبيك"، تحذيراً صارخاً هذا الأسبوع بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي سيستبدل العاملين في مختلف الصناعات بوتيرة غير مسبوقة. وأوضح أن "ثورة الذكاء الاصطناعي لا يمكن إيقافها" وأنها تحدث بأسرع مما نتوقع، داعياً الحكومات والمشرّعين والموظفين إلى الاستعداد لهذه التغيرات الجذرية.
وبحسب أمودي، فإن ما بين 10% إلى 20% من وظائف المكاتب البيضاء (white-collar jobs) ستُستبدل بالذكاء الاصطناعي، ما يتطلب استعداداً مبكراً لإعادة توجيه المسارات المهنية. ما يميز تصريحاته هو صراحته النادرة في عالم قادة الذكاء الاصطناعي، إذ غالباً ما يميل هؤلاء إلى تخفيف وقع التأثير المتوقع للتكنولوجيا على الوظائف.
ومع ذلك، لم يكن أمودي الوحيد الذي تحدث علناً عن هذا الموضوع، فقد عبّر آخرون في القطاع عن وجهات نظر مختلفة.
من بين هؤلاء، جاء تصريح الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، جنسن هوانغ، الذي أكد أيضاً أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على الوظائف، لكن بتوجه أكثر تفاؤلاً مقارنة بأمودي، وبتوافق أكبر مع نبرة بقية قادة القطاع.
قال هوانغ خلال مؤتمر معهد ميلكن العالمي ( Milken Institute) قبل بضعة أسابيع: "كل وظيفة ستتأثر، وعلى الفور. هذا أمر لا جدال فيه". وأضاف: "لن تخسر وظيفتك لمصلحة الذكاء الاصطناعي، بل ستخسرها لمصلحة شخص يعرف كيف يستخدم الذكاء الاصطناعي".
تصريحات هوانغ حظيت باهتمام متزايد بعد تحذير أمودي الأخير، خصوصاً أن "إنفيديا"، رغم أنها ليست مطورة مباشرة لبرمجيات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي" و كلود" إلا أنها توفر المكونات الأساسية لتشغيل هذه الخدمات، وعلى الأخص وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) التي تتيح إجراء العمليات الحسابية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
وقد استفادت "إنفيديا" بشكل كبير من ثورة الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تستمر في جني الأرباح، مع استمرار الحاجة إلى خوادم مزوّدة معالجاتها المتقدمة لتشغيل منتجات الذكاء الاصطناعي وخدماته.
وأشار هوانغ خلال المقابلة إلى أنه "يوصي بنسبة 100% من الناس بأن يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي"، محذّراً من تجاهل هذه التكنولوجيا لما قد يترتب على ذلك من خسارة للوظائف. وبيّن أن استخدام الذكاء الاصطناعي مهارة يجب التدريب عليها، تماماً كما تدرب الناس في السابق على استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، لكنه شدد على أن أهمية هذه المهارة تفوق غيرها، لأن الذكاء الاصطناعي سيكون جزءاً لا يتجزأ من كل وظيفة.
أما أمودي، وعلى رغم نبرته القاتمة، فقد أشار هو الآخر إلى ضرورة إدراك الأفراد لما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي إليهم، وكيف يمكنهم استغلاله للتكيف مع بيئة العمل المستقبلية.
وبينما لم تكن تصريحات هوانغ رداً مباشراً على تحذيرات أمودي، إلا أن بعض الشخصيات المعروفة في القطاع التكنولوجي تفاعل مع ما قاله الأخير، وبينهم مارك كوبان الذي علّق عبر منصة "بلوسكاي" قائلاً إن أمودي تجاهل الثورات السابقة في بيئة العمل. وذكّر بأن عدد الأمناء (السكرتارية) تجاوز في وقتٍ ما مليوني شخص، وكان هناك موظفون متخصصون فقط بالإملاء داخل المكاتب.
وأضاف: "لقد كانوا أول من خسروا وظائفهم من العاملين في المكاتب. شركات جديدة ووظائف جديدة ستنشأ بفضل الذكاء الاصطناعي وستزيد من إجمال فرص العمل".
على رغم أن تشبيه كوبان قد يبعث على الطمأنينة، إلا أن ما يميز المرحلة الحالية – بحسب أمودي – هو السرعة المفاجئة في استبدال البشر بالذكاء الاصطناعي، مقارنة بما حدث في حقبات ماضية.
من هنا، تظهر نصيحة هوانغ كدعوة واقعية: لا تخشَ هيمنة الذكاء الاصطناعي، بل فكّر في كيفية استخدامه لمصلحتك في العمل أو التوجه نحو مسار مهني جديد.