كيف خرجت السوشيال ميديا من 2025؟
ليس تحديثاً بعينه، ولا قانوناً واحداً، ولا منصة دون أخرى، هو ما تغيّر، بل الطريقة التي تُدار بها هذه المساحات الرقمية، من تصميم الواجهة، إلى أدوات التفاعل، إلى موقع المستخدم في داخل المنصة، وصولاً إلى علاقتها بالدولة والسوق. أحداث هذا العام، بتنوعها وتزامنها، تشير إلى أن السوشيال ميديا دخلت مرحلة مختلفة عن تلك التي عرفناها خلال العقد الماضي.
شكّل عام 2025 محطة مفصلية في تاريخ منصات التواصل الاجتماعي، حيث تزامنت تحولات التصميم والتقنية في داخل التطبيقات مع تصعيد تشريعي غير مسبوق يطال عمر المستخدمين ومسؤولية الشركات. ومع نهاية العام، تكشف التطورات المتلاحقة أن المنصات لم تعد تتحرك فقط بدافع الابتكار أو المنافسة، بل تحت ضغط سياسي وقانوني متزايد يعيد رسم علاقتها بالمستخدمين والمجتمع.
على صعيد تجربة المستخدم، أعلنت شركة "ميتا" عن إعادة تصميم واسعة لتطبيق "فايسبوك"، أعادت من خلالها التركيز على ما تصفه بـ"جوهر التجربة الاجتماعية". التحديثات شملت إبراز التواصل بين الأصدقاء، وتعديلات ملحوظة على الصور، البحث، التعليقات، وأدوات إنشاء المنشورات والقصص، في محاولة لإعادة "فايسبوك" إلى دوره التقليدي كمكان للتفاعل الشخصي، بعد سنوات من هيمنة المحتوى الإخباري والفيديوات.
لكن العنصر الأبرز في هذا التحديث كان Facebook Marketplace. فوفق بيانات أوردتها الشركة وتقارير eMarketer لعام 2025، يستخدم أكثر من نصف مستخدمي Gen Z في الولايات المتحدة Marketplace، كما يستخدمه واحد من كل أربعة من فئة الشباب البالغين النشطين يومياً في الولايات المتحدة وكندا. وعلى الرغم من هذا الحضور، ظل Marketplace لسنوات أقل بروزاً في بنية التطبيق، قبل أن تعلن "ميتا" نيتها نقله إلى شريط التنقل السفلي إلى جانب ميزات مثل Reels وFriends، في خطوة تعكس إدراكاً متأخراً لقيمته لدى الجمهور الأصغر سناً.
وشملت التغييرات الأخرى في "فايسبوك" اعتماد سلوكيات تفاعلية مستوحاة من "إنستغرام"، مثل الضغط مرتين للإعجاب بالصور، وتنظيم الصور في شبكة معيارية مع عرض بملء الشاشة. كذلك، أُعيد تصميم البحث ليصبح أكثر غمراً بصرياً، مع اختبار عارض كامل الشاشة لنتائج الصور والفيديو. وفي قسم التعليقات، أُدخلت أدوات جديدة لتبسيط الردود، إبراز الشارات، تثبيت التعليقات، وإتاحة الإبلاغ المجهول عن السلوكيات المزعجة، مع منح المستخدمين تحكمًا أكبر في نشر تحديثات ملفاتهم الشخصية على الخلاصة.
في الاتجاه ذاته نحو ضبط التفاعل، أعلنت "إنستغرام" عن قرار بوضع حد أقصى للهاشتاغات عند خمسة فقط لكل منشور. وأوضح رئيس "إنستغرام" آدم موسيري بأن الهاشتاغات تساعد في البحث، لكنها لا تزيد الوصول، مؤكداً أن "الجودة أهم من الكمية". القرار جاء ضمن مساعٍ أوسع للحد من ممارسات "التحايل على الخوارزميات"، وهو توجه سبق أن ظهر في منصة Threads، التي تبنّت نهجاً أكثر تقييداً في استخدام الوسوم.
أما "يوتيوب" ، فقد أنهى عام 2025 بسلسلة تحديثات ركّزت على دعم صنّاع المحتوى. شملت هذه التحديثات توسيع ميزة الردود الصوتية لتصل إلى نطاق أوسع من المبدعين، وإطلاق تطبيق YouTube Create على نظام iOS، بالإضافة إلى توسيع استخدام Superchat Goals في أنماط بث جديدة. كذلك، أتاح YouTube لمزيد من القنوات ميزة Channel Guidelines، مع عرض القواعد للمشاهدين عند أول تفاعل. إلى جانب ذلك، بدأ YouTube اختبار أدوات ذكاء اصطناعي لتحرير وإنشاء عناصر بصرية، وتجارب لتعديل واجهة زر "عدم الإعجاب" في Shorts، وملخّصات للتعليقات، واقتراح مقاطع Shorts من الفيديوات الطويلة، مع بقاء هذه الميزات في مرحلة التجربة من دون أن تُطرح بعد بشكل نهائي لجميع المستخدمين.

بالتوازي مع هذه التغييرات التقنية، دخل التنظيم القانوني بقوة إلى قلب صناعة التواصل الاجتماعي. فقد أصبحت أستراليا أول دولة تطبق قانوناً يفرض حداً أدنى للعمر لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، ملزمةً المنصات بحجب المستخدمين ممن هم دون الـ 16 عاماً، تحت طائلة مواجهة غرامات قد تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها بداية موجة تنظيمية عالمية، مع اعتماد آليات امتثال تشمل تقدير العمر من النشاط، أو التحقق عبر الصور الشخصية أو وثائق الهوية، رغم الاعتراضات المرتبطة بحرية التعبير والخصوصية.
وفي استجابة مباشرة لتعدد القوانين واختلافها بين الدول، أعلنت "ميتا" دعمها لمبادرات جديدة للتحقق من العمر، من بينها التعاون مع شركة K-ID عبر تقنية AgeKey، وهي مبادرة أُطلقت في أواخر 2025، وتهدف إلى تمكين المستخدم من التحقق مرة واحدة وإعادة استخدام الاعتماد عبر تطبيقات متوافقة، في إطار سعي الشركات لتقليل التجزّؤ التنظيمي استعداداً لتوسع تطبيق هذه الأنظمة خلال الفترة اللاحقة.
وفي الولايات المتحدة، عكس تقديم مشروع Sunset Section 230 Act اتجاهاً سياسياً متصاعداً لإعادة النظر في الحصانة القانونية التاريخية، التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا، وفتح الباب أمام مقاضاتها على الأضرار التي تقع عبر منصاتها، خاصة تلك التي تصيب الأطفال والفئات الضعيفة.
ومع نهاية العام، أطلقت منصة LinkedIn ميزة "Year in Review"، مقدّمةً لمستخدميها ملخصاً بصرياً لنشاطهم المهني خلال 2025، في إطار توجه متنامٍ لدى المنصات لصناعة سرديات سنوية قابلة للمشاركة.
خلاصة المشهد أن عام 2025 لم يكن عاماً لإضافة مزايا جديدة فحسب، بل عامًا لإعادة تعريف دور منصات التواصل الاجتماعي وحدودها. بين إعادة التصميم، تشديد القواعد، وتدخل المشرّعين، بات واضحاً أن هذه المنصات تدخل مرحلة أكثر انضباطاً، حيث لم تعد حرية التوسع بلا قيود هي القاعدة، بل الامتثال والمساءلة جزءًا من معادلة البقاء.
نبض