أعلنت وكالة الفضاء المصرية نجاح إطلاق القمر الصناعي المصري النانوي "سبينكس" (SPNEX) يوم 10 كانون الأول/ديسمبر الجاري من قاعدة رونغ فنج الفضائية شمال غرب جمهورية الصين الشعبية، في مهمة بحثية لقياس خصائص البلازما في طبقات الأيونوسفير ودراسة أثرها على الاتصالات في الفضاء.

وقالت الوكالة إنه في 12 أيلول/ ديسمبر 2025 استقبلت محطة التحكم والاستقبال الأرضية إشارات القياس عن بعد من القمر، بما أكد استقرار مداره وكفاءة تشغيله، وبلوغ شحن البطارية نحو 90% بعد محاذاته مع الشمس. 
ويعد القمر، الذي تقول الوكالة إنه طُوّر وجُمع واختُبر محلياً داخل مركز التكامل والاختبار (AIT) بالمدينة الفضائية المصرية، خطوة لتعزيز القدرات الوطنية وإتاحة بيانات علمية للباحثين في الجامعات والمراكز البحثية.

مهمة علمية
في هذا السياق، يقول الدكتور أسامة شلبية، عميد كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء بجامعة بني سويف، ومدير مركز دراسات واستشارات علوم الفضاء بجامعة القاهرة، لـ"النهار" إن إطلاق القمر النانوي "سبينكس" يمثل خطوة كبيرة في مسار نقل وتوطين التكنولوجيا في مجال الأقمار الصناعية.

وأضاف أن "الهدف الأساسي هو إدخال مصر في نقل وتوطين التكنولوجيا في مجال تصنيع الأقمار الصناعية"، ليس فقط على مستوى الإطلاق، بل عبر مراحل التصميم والتجميع والاختبار محلياً.

وأوضح شلبية أن الأقمار الصناعية "ليست متشابهة"، وأن اختلافها يرتبط بالهدف والمدار، قائلًا: "ثمة أقمار للاستشعار عن بعد، وأقمار للاتصالات، وأقمار للأرصاد الجوية والمناخ والتغيرات المناخية. يختلف الهدف من نوع إلى آخر، وتوضع في مدارات مختلفة بحسب المهمة، لأن كل قمر يخرج بمواصفات محددة لغرض معين".

القمر الصناعي المصري الجديد طوّر وجمّع وأختبر محلياً بالمدينة الفضائية المصرية

وفيما يتعلق بمهمة "سبينكس"، قال شلبية إن "المهمة الأكبر في القمر النانوي الجديد تتمثل في رصد البيئة الفضائية، لا سيما رصد البلازما"، مضيفاً أن "البلازما هي الحالة الرابعة من حالات المادة، وأن دراسة هذه البيئة مهمة لأنها تؤثر على الاتصالات في طبقة الأيونوسفير". 

وتابع: "أهميتها تأتي من أنها تؤثر على الاتصالات الفضائية. فإذا لم أفهم طبيعة هذه الطبقة، طبقة الأيونوسفير، فسوف نفقد كثيراً من الاتصالات".

وأشار شلبية إلى جانب تقني يبرز أهمية "سبينكس" في فهم بيئة الفضاء وتعزيز سلامة الأقمار الصناعية، موضحاً أن الجسيمات قد "تتراكم على أسطح الأقمار الصناعية" وتُحدث "فرق جهد" (potential difference) يقود إلى "تفريغ" كهربائي. وشرح ذلك بتشبيه من الحياة اليومية، قائلا إن الأمر يشبه "الكهرباء الاستاتيكية" التي قد تحدث عند احتكاك الملابس ثم لمس الحائط.
وأضاف: "هذه الكهرباء الاستاتيكية تحدث على أجسام الأقمار الصناعية، وقد تؤدي إلى شرارة (spark) تعطل الأجهزة الموجودة على القمر الصناعي، فيفقد كثيراً من وظائفه أو يخرج عن الخدمة تماما."

ورداً على سؤال حول ما إذا كان قمر واحد من هذا النوع كافياً، قال شلبية إن القمر الواحد يتيح "إجراء دراسات مستقلة"، ويمكّن من "تبادل البيانات مع الآخرين، والمشاركة في أبحاث دولية مع مهمات أخرى بالهدف نفسه أو المواصفات نفسها". 

مضيفاً: "مصر ليست الوحيدة التي تعمل في هذه المجالات، لكن هذا يتيح أن تدخل المجتمع الدولي للفضاء بكوادر متدربة وواعية، وهي التي صممت القمر وهي التي نفذته".

تراكم خبرات وفرص اقتصادية
يرى الأكاديمي المصري أن من أهم المهمة بناء القدرات البشرية والمنظومة التشغيلية، قائلاً: "الهدف ليس فقط أن أحصل على نتائج علمية، بل أن يكون لدي مهندسون وعلماء وأجهزة؛ قادرين على التصميم، والتجميع، والاختبار، وقادرين أيضاً على استقبال البيانات. لدينا محطة استقبال، ولدينا مركز التجميع والاختبار والوكالة، وهذه منظومة كاملة".
وتحدث شلبية أيضاً عن بعد اقتصادي وتعاوني مرتبط بالبنية التحتية للاختبار والتجميع داخل مصر، قائلا إن مركز التجميع والاختبار "يمكن استغلاله لأقمار صناعية أخرى لدول أخرى بتكاليف أقل من تنفيذها في دول مثل ألمانيا أو الصين أو أميركا"، 

"يفتح هذا الاستثمار في تطوير تقنيات التصنيع مجال تعاون أفريقي، إذ بات من الممكن أن تصير مصر بفضله بوابة للدول الأفريقية لصناعة الفضاء، بدلا من توجه هذه الدول إلى الخارج ودفع تكاليف أعلى".

إتاحة البيانات
وفي ملف إتاحة البيانات، قال شلبية إن الفريق بدأ استقبال الإشارات الأولية الخاصة بالاختبار للتأكد من أن القمر في المدار بشكل صحيح وأنه "يرسل الإشارات الصحيحة"، موضحا أنه بعد مرحلة الاستقرار "يبدأ تدفق البيانات"، ثم يجري تنظيم الإتاحة وفقاً لأولويات بحثية: "تبدأ في تحديد من يريد ماذا، ومن سيعمل في أي مسار، بحسب مقترحات البحث العلمي التي تقدم".

وأكد وجود تنظيم إداري للبيانات قائلاً: "توجد إدارة لبيانات الأقمار الصناعية، وهي التي تحدد ما الذي يمكن العمل عليه من أبحاث وفق المقترح المقدم، لأننا نريد أن نعظم الاستفادة من قمر صناعي موجود في الفضاء يدرس البيئة الفضائية".

وختم الدكتور أسامة شلبية بأن القمر يمثل "تأشيرة دخول للمجتمع العلمي" في مجال بحوث الفضاء، وأن الأقمار الصغيرة "خطوة للتطور، مشيراً إلى أهمية التصنيع المحلي للمكونات، ومشبهاً ذلك بصناعة السيارة التي تتكون من أجزاء عديدة، قائلاً إن تصنيع جزء من هذه المكونات محلياً يعد تقدماً يمكن البناء عليه والاستثمار فيه.