الحرب الخفيّة على البيانات: سباق الصين والولايات المتحدة على عقول الشرق الأوسط وموارده الرقمية

تكنولوجيا 02-12-2025 | 08:00

الحرب الخفيّة على البيانات: سباق الصين والولايات المتحدة على عقول الشرق الأوسط وموارده الرقمية

الشرق الأوسط يخوض صراعاً رقمياً بين الصين وأميركا، محولاً البيانات والذكاء الاصطناعي إلى مصدر قوة.
الحرب الخفيّة على البيانات: سباق الصين والولايات المتحدة على عقول الشرق الأوسط وموارده الرقمية
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

*جاك جندو

في لحظة تاريخية يعيش فيها العالم تحوّلاً حاداً في موازين القوة، لم يعد النفط هو الورقة الأقوى في الشرق الأوسط. القوة الحقيقية اليوم هي البيانات، وهي التي تصنع الثروة، وتحدد المستقبل، وتشكل هوية الدول في العصر الرقمي. من يسيطر على البيانات يسيطر على الاقتصاد، ومن يسيطر على الذكاء الاصطناعي يسيطر على العالم.

 

ومع ذلك، تدور اليوم حرب خفيّة في المنطقة لا يسمع الناس عنها إلا عندما تنفجر نتائجها. حرب لا تُدار بالصواريخ بل بالخوارزميات، ولا تُقاس بالأمتار بل بالبتّات، ولا تُخاض بالجيوش بل بالشركات والمنصات السحابية.
هذه الحرب تجمع ثلاثة أطراف: الولايات المتحدة، الصين، ودول الخليج التي تحولت إلى ملعب استراتيجي، وأحياناً لاعب رئيسي.


الخليج… من مستهلك للتكنولوجيا إلى مركز نفوذ في الذكاء الاصطناعي
خلال سنوات قليلة فقط، تحوّلت دول مثل الإمارات والسعودية وقطر إلى مراكز ثقل عالمي في الذكاء الاصطناعي.

 لم تعد المنطقة تنتظر التكنولوجيا من الخارج. أصبحت تستقطب أكبر شركات العالم، وتبني مراكز بيانات، وتطلق نماذج لغوية، وتمول أبحاثاً تتنافس عليها جامعات العالم.

 

هذا التحول ليس مصادفة. إنه جزء من خطة استراتيجية واضحة: بناء سيادة رقمية تجعل اقتصادات الخليج مستدامة وقادرة على صنع مستقبل مستقل عن التقلبات الجيوسياسية.

ولكن هذه الطفرة جذبت معها صراعاً أكبر.

الصين تدخل بثقلها… والولايات المتحدة لا تقف متفرجة
الصين جاءت إلى الخليج حاملة شيئاً كان ينقص الغرب منذ سنوات: السرعة.
 نماذج ذكاء اصطناعي، بنى تحتية سحابية، أجهزة، استثمارات ضخمة، وتكنولوجيا تتطور أسرع من قدرة الدول على تشريعها.
في المقابل، الولايات المتحدة تسعى إلى حماية نفوذها التاريخي في المنطقة.

 فهي تدرك أن خسارة الخليج في عصر البيانات أخطر بكثير من خسارته في عصر النفط.

هذا الصراع يتجلى اليوم في:
صفقات مراكز البيانات الضخمة.
المنافسة على نماذج الذكاء الاصطناعي.
معارك المعايير التقنية والتشريعات.
حركة رؤوس الأموال والشركات.

وهنا يبدأ السؤال الأهم:

من يملك البيانات في النهاية؟ ومن يكتب خوارزميات المستقبل؟
قد يعتقد البعض أن الصراع قائم بين القوى الكبرى فقط، لكن الحقيقة أن المنطقة نفسها أصبحت لاعباً.

لأول مرة، أصبحت دول الشرق الأوسط قادرة على:
تمويل منصات ذكاء اصطناعي منافسة عالمياً.
بناء سحابات وطنية وسيادية.
استضافة أكبر مراكز البيانات في العالم.
تطوير نماذج لغوية تخدم ثقافتها وسوقها.
تأسيس شركات عملاقة في مجالات الأمن السيبراني والخدمات السحابية.

هذه القدرة تجعل الخليج ليس مجرد ساحة تنافس فحسب بل قوة تفاوضية جديدة.
 قوة لا تعتمد على النفط بل على البنية التحتية والخوارزميات.

ولكن هناك جانب مظلم… الصراع على عقل المستخدم.
الصراع اليوم ليس على التكنولوجيا فحسب، بل على سلوك المستخدم.
من يتحكم بـ:

محركات البحث.
وسائل التواصل.
البيانات الشخصية.
المحتوى.
الخدمات الرقمية.

هو من يتحكم بطريقة تفكير الناس، واتخاذهم للقرارات، وحتى مستقبل أعمالهم.
ولهذا، تمتد هذه الحرب من الهواتف في جيوبنا إلى القرارات في أماكن العمل، ومن البث المباشر إلى غرف السياسة.

فرص لا تُعوّض للشركات ورواد الأعمال في المنطقة


هذا السباق الهائل فتح الباب أمام فرص لم تكن موجودة قبل 5 سنوات:

شركات ناشئة في الأمن السيبراني.
نماذج ذكاء اصطناعي عربية.
تطبيقات سحابية موجهة للشرق الأوسط.
خدمات إدارة البيانات.
حلول حكومية رقمية.
صناعات جديدة بالكامل.

إنها لحظة تاريخية للمنطقة، حيث يمكن لأي رائد أعمال أن يبني مشروعه اعتماداً على احتياجات ماسة إلى حلول بالأمن، البيانات، التحليل، اللغة، والخدمات الرقمية.
في عالم يتحول بسرعة، القدرة على فهم هذا الواقع هي مفتاح النجاح.

كيف ينعكس هذا التحول على حياة الفرد؟


سيجد الفرد نفسه أمام واقع جديد:
خدمات حكومية أسرع.
تعليم أكثر ذكاءاً.
فرص عمل جديدة تعتمد على المهارات الرقمية.
بيئة اقتصادية أكثر انفتاحاً.

ولكن في المقابل، يواجه تحديات:
حماية البيانات الشخصية.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف التقليدية.
ضرورة تطوير مهارات جديدة باستمرار.


حتى تستفيد المنطقة من هذه اللحظة الفارقة، يجب أن تعتمد نموذجاً جديداً من القيادة الرقمية التي تجمع بين:
التكنولوجيا.
الاقتصاد.
القيم الإنسانية.
الشفافية.
الابتكار.

 

فالبيانات هي نفط القرن الواحد والعشرين، والذكاء الاصطناعي هو المصفاة التي تحولها إلى قوة.
والشرق الأوسط، لأول مرة منذ عقود، ليس مجرد متفرج. بل هو لاعب. وصانع. ومفاوض.

والأهم… أنه يملك فرصة تاريخية لبناء مستقبل لا يشبه الماضي إطلاقاً.
هذه الحرب الخفية ليست نهاية، بل بداية. وبداية تستحق أن تُكتب بحكمة وذكاء ورؤية تتقدم نحو الأمام.

 

* خبير في التحوّل الرقمي

الأكثر قراءة

الخليج العربي 12/1/2025 12:53:00 PM
السعودية وروسيا توقعان اتفاقية إعفاء متبادل من التأشيرات لحملة جميع الجوازات
المشرق-العربي 11/30/2025 12:47:00 PM
وزارة النقل العراقية تحسم الجدل: لا وجود لطائرة مركونة في صحراء الوركاء، والصورة المتداولة لطائرة عابرة رصدها القمر الصناعي للحظة واحدة فقط.
المشرق-العربي 12/1/2025 11:51:00 AM
قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، رافي ميلو، يتفقد مواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان، للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية.
كتاب النهار 12/1/2025 9:21:00 AM
زيارة البابا يفترض أن تكون مناسبة للمصالحة، وكان ممكناً تخطي البروتوكول فيها، إذ يحق لصاحب الدعوة، كما للشاعر، ما لا يحقّ لغيره.