تكنولوجيا
20-11-2025 | 08:24
بيت الطاقة العالمي يهتز… فهل يثبت لبنان قدمه في سوق تتغير؟
التحول السريع في أسواق الطاقة يضغط على لبنان، وفرصته الواقعية تكمن في استخدام غازه محلياً.
صورة تعبيرية
لم يعد المشهد العالمي للطاقة يشبه ما كان عليه قبل سنوات قليلة. فالتحولات التي كانت تبدو تدريجية أصبحت اليوم سريعة ومتشعبة، تقودها الطاقات المتجددة التي تتقدم بخطى تتجاوز توقعات المتفائلين، فيما يقترب الوقود الأحفوري، وفي مقدمه الغاز، من مرحلة "الاستقرار ثم الانحدار" مع بروز ملامح ذروة الطلب العالمي بحلول 2030. وبينما تتسابق الدول الكبرى لتثبيت مواقعها في سوق المستقبل، تجد الدول المتأخرة في دخول القطاع، مثل لبنان، نفسها أمام سباق مع الزمن، في لحظة قد تكون حاسمة لسنوات طويلة مقبلة.
هذه الصورة العالمية المعقدة تتضاعف إرباكا بفعل التباين المتزايد في تقارير وكالة الطاقة الدولية، التي باتت تواجه انتقادات متكررة، كما يشير الخبير الدولي في اقتصادات الطاقة ناجي ابي عاد. ويقول إن الوكالة، التي أنشئت عام 1975 بطلب من هنري كيسنجر كجسم يمثل الدول المستهلكة في مواجهة نفوذ "أوبك"، لم تعد تتمتع بالتماسك ذاته الذي ميز تقاريرها في العقود الماضية، بل باتت تتأرجح تحت ضغوط سياسية، خصوصاً من الولايات المتحدة التي ترى أن سيناريو "الهبوط السريع للطلب" يهدد مصالح قطاع الغاز الأميركي المتنامي. هذا التناقض في التوقعات، بين سيناريو يضع ذروة الطلب في حدود 2030 وآخر يمدد النمو حتى 2050، يزيد من ضبابية المشهد، لكنه لا يلغي القاعدة الأهم: السوق يتجه نحو فائض إنتاجي كبير، والمنافسة ستشتد، والأسعار مرشحة للتراجع على المدى المتوسط.
التحولات الأوروبية تعمق هذا الاتجاه. فالاتحاد الأوروبي يمضي في مسار تخفيض الاعتماد على الغاز بنسبة قد تصل إلى 25% بحلول 2040، مدفوعاً بسياسات انبعاثات صارمة، وبنمو الطاقة الشمسية والرياح، وبانخفاض كلفة تخزين الكهرباء. هذا التراجع في الطلب يقابله ارتفاع في الإنتاج من الولايات المتحدة، قطر، أستراليا، وبلدان أخرى تسعى لزيادة حصتها في سوق الغاز المسال، ما يعني أن مرحلة "الوفرة" قد بدأت بالفعل. إلا أن هذه الوفرة، وفق ابي عاد، تحمل مفارقة. فالتراجع الكبير في الأسعار "قد يعيد رفع الطلب في دول لا تعتبر البيئة أولوية، كما حدث في الصين حين عاد الفحم إلى الصدارة بسبب تكلفته المنخفضة".
في هذا السياق العالمي المضطرب، يظهر لبنان لاعباً ناشئاً يطمح إلى مكان له على خريطة الغاز. غير أن الطريق ليست معبدة كما يتصور البعض. فالحفر في البلوكين 4 و9 لم يفض حتى الآن إلى اكتشاف تجاري، والبئر الاستكشافية في قانا تحتاج إلى بئر تقييمية إضافية على الأقل قبل الانتقال إلى مرحلة الدراسات، فيما تبقى البيئة السياسية والأمنية عاملاً ضاغطاً قد يعرقل أي مشروع تطوير. ويرى ابي عاد أن لبنان، حتى لو أعلن اكتشافاً مهماً خلال العامين المقبلين، سيحتاج إلى ما لا يقل عن 7 إلى 12 سنة لتطوير حقل غاز بحري والوصول إلى الإنتاج، ما يعني أن الغاز اللبناني لن يرى الضوء قبل 2034–2038 في أفضل السيناريوات، وهي فترة قد يكون فيها الطلب العالمي أضعف والمنافسة أشد.
هذا الواقع يدفع إلى سؤال أساسي: هل يجب على لبنان أن يراهن على التصدير؟
الإجابة، وفق الخبراء، ليست بسيطة. فالتصدير يحتاج إلى كميات كبيرة تتراوح بين 10 و15 تريليون قدم مكعب ليكون اقتصادياً، وإلى استثمارات ضخمة في بنى تحتية غير متوفرة اليوم. أما الاكتشافات الصغيرة أو المتوسطة، بين 3 و5 تريليونات قدم مكعب، فهي غير كافية لتبرير إنشاء مرافق تصديرية، لكنها قادرة على تغطية الحاجات المحلية لعقود.
من هنا، يميل ابي عاد إلى التأكيد أن "الفرصة الواقعية للبنان موجودة في الداخل لا في الأسواق العالمية. فالغاز، حتى لو لم يكن بكميات ضخمة، يمكن أن يحدث انقلاباً اقتصادياً منذ اللحظة الأولى لاستخدامه محلياً عبر خفض كلفة الكهرباء بنسبة تفوق 60%، تقليص فاتورة الاستيراد التي تستنزف 3 إلى 4 مليارات دولار سنوياً، تحسين أداء مؤسسة كهرباء لبنان، دعم الصناعة، وتسهيل الانتقال إلى مزيج طاقوي يعتمد بشكل أكبر على الطاقة المتجددة. هذا النهج، أي إعطاء الأولوية للاستهلاك المحلي، هو عينه الذي تعتمده دول الخليج اليوم، إذ توسع الإمارات والسعودية قدراتهما الشمسية والنووية لتوفير كل الاستهلاك الداخلي، وترك النفط والغاز للتصدير.
في المقابل، لا يملك لبنان ترف تبني نموذج تصديري مشابه. فالوضع السياسي غير مستقر، والقدرات الاقتصادية محدودة، والبنى التحتية شبه غائبة، والأسواق العالمية ستصبح أكثر ازدحاماً وأقل ترحيباً بالوافدين الجدد. وتالياً، فإن بناء سياسة وطنية واقعية يقتضي أولاً تثبيت قاعدة: الغاز للبنان قبل أي شيء آخر.
في النهاية، تظهر التحولات العالمية أن نافذة الفرص لم تغلق بالكامل أمام لبنان، لكنها بلا شك تضيق عاماً بعد عام. وإذا نجح البلد في تحقيق اكتشافات تجارية، وإذا اختار الاستخدام الداخلي كخيار أول، وإذا وضعت إدارة القطاع في يد مؤسسات شفافة ومهنية، فإن الغاز قد يتحول إلى عنصر استقرار اقتصادي لا إلى حلم مؤجل. أما إذا بقيت القرارات مرهونة بالتجاذبات والتأجيل، فإن لبنان سيخسر فرصة قد لا تتكرر في عالم يتغير بسرعة أكبر مما يحتمله الانتظار.
هذه الصورة العالمية المعقدة تتضاعف إرباكا بفعل التباين المتزايد في تقارير وكالة الطاقة الدولية، التي باتت تواجه انتقادات متكررة، كما يشير الخبير الدولي في اقتصادات الطاقة ناجي ابي عاد. ويقول إن الوكالة، التي أنشئت عام 1975 بطلب من هنري كيسنجر كجسم يمثل الدول المستهلكة في مواجهة نفوذ "أوبك"، لم تعد تتمتع بالتماسك ذاته الذي ميز تقاريرها في العقود الماضية، بل باتت تتأرجح تحت ضغوط سياسية، خصوصاً من الولايات المتحدة التي ترى أن سيناريو "الهبوط السريع للطلب" يهدد مصالح قطاع الغاز الأميركي المتنامي. هذا التناقض في التوقعات، بين سيناريو يضع ذروة الطلب في حدود 2030 وآخر يمدد النمو حتى 2050، يزيد من ضبابية المشهد، لكنه لا يلغي القاعدة الأهم: السوق يتجه نحو فائض إنتاجي كبير، والمنافسة ستشتد، والأسعار مرشحة للتراجع على المدى المتوسط.
التحولات الأوروبية تعمق هذا الاتجاه. فالاتحاد الأوروبي يمضي في مسار تخفيض الاعتماد على الغاز بنسبة قد تصل إلى 25% بحلول 2040، مدفوعاً بسياسات انبعاثات صارمة، وبنمو الطاقة الشمسية والرياح، وبانخفاض كلفة تخزين الكهرباء. هذا التراجع في الطلب يقابله ارتفاع في الإنتاج من الولايات المتحدة، قطر، أستراليا، وبلدان أخرى تسعى لزيادة حصتها في سوق الغاز المسال، ما يعني أن مرحلة "الوفرة" قد بدأت بالفعل. إلا أن هذه الوفرة، وفق ابي عاد، تحمل مفارقة. فالتراجع الكبير في الأسعار "قد يعيد رفع الطلب في دول لا تعتبر البيئة أولوية، كما حدث في الصين حين عاد الفحم إلى الصدارة بسبب تكلفته المنخفضة".
في هذا السياق العالمي المضطرب، يظهر لبنان لاعباً ناشئاً يطمح إلى مكان له على خريطة الغاز. غير أن الطريق ليست معبدة كما يتصور البعض. فالحفر في البلوكين 4 و9 لم يفض حتى الآن إلى اكتشاف تجاري، والبئر الاستكشافية في قانا تحتاج إلى بئر تقييمية إضافية على الأقل قبل الانتقال إلى مرحلة الدراسات، فيما تبقى البيئة السياسية والأمنية عاملاً ضاغطاً قد يعرقل أي مشروع تطوير. ويرى ابي عاد أن لبنان، حتى لو أعلن اكتشافاً مهماً خلال العامين المقبلين، سيحتاج إلى ما لا يقل عن 7 إلى 12 سنة لتطوير حقل غاز بحري والوصول إلى الإنتاج، ما يعني أن الغاز اللبناني لن يرى الضوء قبل 2034–2038 في أفضل السيناريوات، وهي فترة قد يكون فيها الطلب العالمي أضعف والمنافسة أشد.
هذا الواقع يدفع إلى سؤال أساسي: هل يجب على لبنان أن يراهن على التصدير؟
الإجابة، وفق الخبراء، ليست بسيطة. فالتصدير يحتاج إلى كميات كبيرة تتراوح بين 10 و15 تريليون قدم مكعب ليكون اقتصادياً، وإلى استثمارات ضخمة في بنى تحتية غير متوفرة اليوم. أما الاكتشافات الصغيرة أو المتوسطة، بين 3 و5 تريليونات قدم مكعب، فهي غير كافية لتبرير إنشاء مرافق تصديرية، لكنها قادرة على تغطية الحاجات المحلية لعقود.
من هنا، يميل ابي عاد إلى التأكيد أن "الفرصة الواقعية للبنان موجودة في الداخل لا في الأسواق العالمية. فالغاز، حتى لو لم يكن بكميات ضخمة، يمكن أن يحدث انقلاباً اقتصادياً منذ اللحظة الأولى لاستخدامه محلياً عبر خفض كلفة الكهرباء بنسبة تفوق 60%، تقليص فاتورة الاستيراد التي تستنزف 3 إلى 4 مليارات دولار سنوياً، تحسين أداء مؤسسة كهرباء لبنان، دعم الصناعة، وتسهيل الانتقال إلى مزيج طاقوي يعتمد بشكل أكبر على الطاقة المتجددة. هذا النهج، أي إعطاء الأولوية للاستهلاك المحلي، هو عينه الذي تعتمده دول الخليج اليوم، إذ توسع الإمارات والسعودية قدراتهما الشمسية والنووية لتوفير كل الاستهلاك الداخلي، وترك النفط والغاز للتصدير.
في المقابل، لا يملك لبنان ترف تبني نموذج تصديري مشابه. فالوضع السياسي غير مستقر، والقدرات الاقتصادية محدودة، والبنى التحتية شبه غائبة، والأسواق العالمية ستصبح أكثر ازدحاماً وأقل ترحيباً بالوافدين الجدد. وتالياً، فإن بناء سياسة وطنية واقعية يقتضي أولاً تثبيت قاعدة: الغاز للبنان قبل أي شيء آخر.
في النهاية، تظهر التحولات العالمية أن نافذة الفرص لم تغلق بالكامل أمام لبنان، لكنها بلا شك تضيق عاماً بعد عام. وإذا نجح البلد في تحقيق اكتشافات تجارية، وإذا اختار الاستخدام الداخلي كخيار أول، وإذا وضعت إدارة القطاع في يد مؤسسات شفافة ومهنية، فإن الغاز قد يتحول إلى عنصر استقرار اقتصادي لا إلى حلم مؤجل. أما إذا بقيت القرارات مرهونة بالتجاذبات والتأجيل، فإن لبنان سيخسر فرصة قد لا تتكرر في عالم يتغير بسرعة أكبر مما يحتمله الانتظار.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
اقتصاد وأعمال
11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة
11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة
11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً.
مجتمع
11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا
نبض