التّعليم الرّقمي في لبنان... الفجوة تتقلّص؟

تكنولوجيا 20-11-2025 | 10:00

التّعليم الرّقمي في لبنان... الفجوة تتقلّص؟

الرهان الحقيقي ليس على توسيع رقعة التكنولوجيا في المدارس فحسب، بل أيضاً على بناء منظومة رقمية آمنة، عادلة، وشاملة، تضع كل طفل في قلب عملية التحول.
التّعليم الرّقمي في لبنان... الفجوة تتقلّص؟
تصميم الذكاء الاصطناعي.
Smaller Bigger
"لا نستخدم الكمبيوتر سوى في حصة الكمبيوتر، وقد نشاهد أحياناً عروضاً في بعض الحصص فقط، ولم نتلقّ أي تدريب على استخدام الذكاء الاصطناعي"، هذا ما اتفق عليه طالبان، أحدهما في مدرسة خاصة وآخر في مدرسة رسمية، في تعبير واضح عن محدودية استخدام التكنولوجيا واعتماد التعليم الرقمي داخل الصفوف في الجزء الأكبر من المدراس اللبنانية حتى الآن، الرسمية كما الخاصة. وإن كانت الخاصة خاضت شوطاً أكثر تقدماً وخطت بعض الخطوات على جسر الفجوة الرقمية مقارنةً بنظيرتها الرسمية.


على مستوى المعلمين، تقول مريم فقيه، وهي مدرّسة في مدرسة خاصة: "نستخدم تقنيات العرض فقط حتى الآن، ولم نتلقَّ أي تدريب متعلق بالذكاء الاصطناعي أو تقنيات أخرى"، لكن الصورة تختلف قليلاً في مدرسة خاصة أخرى، حيث تشير المعلّمة مروة رمال إلى تجربة أكثر تقدّماً: "نستخدم الألواح التفاعلية Active Boards، ولدينا اتصال دائم بالإنترنت، ونستعين بتقنيات عدة في الشرح. ونستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في التحضير والعرض، وتلقّينا دورات تدريبية متخصصة من المدرسة، لكن التلامذة لم يتلقوا بعد".

من جهة المدارس الرسمية، علّقت ناظرة في إحدى المدارس على الواقع، بالقول: "نستخدم اللوح التفاعلي في المدرسة، وتقنيات العرض. لكن لم تُنظم أي دورات تدريبية للأساتذة أو الطلاب حول الذكاء الاصطناعي".

حلّ موقت للأزمات؟

في لبنان، حيث تلاقت الأزمات المتلاحقة لتهز أركان النظام التعليمي التقليدي، برز التعليم الرقمي في الواجهة، محاولاً سد الثغرات ومنقذاً للعملية التعليمية في استحقاقات عدة. لكن هذه القفزة لم تكن خالية من التحديات، ففي بلد يعاني بنية تحتية رقمية ضعيفة، وعدم تأهيل المدارس، وشحاً في الكهرباء، وفجوة رقمية عميقة بين فئات المجتمع، يواجه تبنّي التعليم الرقمي فيه على نطاق واسع أسئلة جوهرية: هل هو مجرد حلّ موقت للأزمات، أم يمثل بوابة حقيقية لمستقبل تعليمي أكثر مرونة وعدالة؟

اليونيسف: التكنولوجيا ركيزة لتحقيق العدالة وتحسين التعلّم

في هذا الإطار، توضح فايزة سعد، المسؤولة في برنامج التعليم في منظمة اليونيسف، في حديث إلى "النهار"، أن المنظمة تعمل بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء وبدعم مالي من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية من خلال بنك التنمية KfW على تحسين النظم التعليمية، عبر تطوير البنى التحتية الرقمية وتمكين المدارس الرسمية من دمج التكنولوجيا في التعليم لتحسين جودته وضمان المساواة في الوصول إليه.

وأكدت أن الوصول إلى التكنولوجيا والتعليم الرقمي أصبح عاملاً أساسياً لتحسين نتائج التعلم، إذ يتيح للطلاب تعلّماً أكثر تفاعلاً وشخصنة، ويساعدهم على فهم المفاهيم بطريقة أعمق عبر التجارب العملية والمحاكاة. ويمكّن المعلمين من شرح المفاهيم المجردة شرحاً أوضح باستخدام الأدوات الرقمية.

وأضافت أن التعليم الرقمي لا يحلّ محل التعليم التقليدي، بل يكمله ضمن نموذج التعليم المدمج، بحيث يمكن للمدرّس شرح الدروس في الصف ومتابعة الأنشطة والتمارين عبر المنصات الإلكترونية، ما يشجع الطلاب على التعلّم ويزيد من حماستهم.

 

التعليم المدمج (تعبيرية).
التعليم المدمج (تعبيرية).

 

فجوات وتحديات في المدارس الرسمية

لا تغفل هذه الحاجة عن التحديات، فوفقاً لتقييم أجرته اليونيسف قبل عامين في جميع المدارس الحكومية، تبيّن الآتي:

- على رغم أن نحو 1200 مدرسة رسمية فقط كانت متصلة بالإنترنت، تفتقر
78% من المدارس الرسمية إلى تغطية الإنترنت في الصفوف الدراسية. 
- 83% من المدارس تعاني ضعفاً في الاتصال، بحيث يقتصر الإنترنت غالباً على الإدارة فقط.
- 72% من المدارس لديها نسبة مخفوضة من الأجهزة للطلاب، إذ يراوح المعدل بين جهاز لكل 11 طالباً إلى جهاز لكل 20 طالباً أو أكثر.

وتشمل التحديات الأخرى ضعف البنى التحتية داخل المدارس، وانقطاع الكهرباء المتكرر، ونقص الأجهزة الرقمية مثل الحواسيب والألواح الإلكترونية، ما يجعل تطبيق التعليم الرقمي تحدياً يومياً.

التكنولوجيا في المدارس الرسمية


على صعيد التكنولوجيا، تكشف المسؤولة في برنامج التعليم في اليونيسف مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية د. هيلدا خوري لـ"النهار"، أنه تم توصيل الإنترنت إلى أكثر من 500 مدرسة، وتزويد أكثر من 400 مدرسة بأجهزة كمبيوتر ولوحات إلكترونية، مع تدريب أكثر من 10 آلاف من المعلّمين على الاستخدام الفعّال للمنصّات الرقمية وأدوات التعليم الرقمي، لتقليص الفجوة الرقمية بين المدارس الرسمية و المدارس الخاصة.

ضمن هذا الإطار، تؤكّد خوري أن "هناك مشاريع قيد التنفيذ بالتعاون مع منظمة اليونيسف ومنظمات دولية أخرى، تهدف إلى استكمال التدريب على التحوّل الرقمي بالشراكة مع المركز التربوي للبحوث والإنماء، وكذلك إلى استكمال تجهيز عدد أكبر من المدارس الرسمية بالمعدّات والتجهيزات الضرورية لدمج التكنولوجيا في التعليم"، موضحة:"أطلقت الوزارة الاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي، والهدف منها ليس تأمين الأجهزة فقط، بل بناء كفايات رقمية للمعلمين والمتعلمين، وربط التكنولوجيا بالمناهج الجديدة لضمان أن يصبح التعلم أكثر فعالية وتفاعلية."




شحادة: دورنا استشاريّ

وفي حديثٍ الى "النهار"، أكّد وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، أنّ وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء هما الجهتان المسؤولتان مباشرةً عن دمج الذكاء الاصطناعي في النظام التعليمي لدعم الطلاب والمعلمين. وأوضح أنّ دور وزارته يقتصر حالياً على تقديم الاستشارات التقنية الى فريق وزارة التربية والمركز التربوي، مضيفاً: "نحن نعمل معهم فقط بصفة استشارية في هذا الملف، وهم منكبّون على متابعة هذا الموضوع، وأيّ دعم تقني نستطيع توفيره، ونملك القدرة على تقديمه، سنؤمّنه بالكامل".

وأشار إلى أنّ الوزارة تعمل على تعزيز مرونة لبنان الرقمية من خلال "الإرشادات الدنيا للأمن السيبراني" وتطوير الأطر التشريعية والسياسات التي ترفع مستوى الجاهزية الوطنية في هذا المجال. وقال: "هدفنا هو أن يتمكّن كل مواطن، من الأطفال الذين يكتشفون العالم الرقمي إلى كبار السن الذين يتنقّلون فيه، من استخدام الفضاء الرقمي بأمان وثقة".

 

خطوات عملية نحو التحوّل الرقمي

في السياق، أفادت اليونيسف بأنها تعمل بالشراكة مع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء على 4 محاور رئيسية:

1. ​تأمين الاتصال:

يجري حالياً تجهيز 538 مدرسة رسمية بشبكة إنترنت متكاملة تتيح استخدام التكنولوجيا داخل الصفوف، ومن المقرر استكمال المشروع بحلول مطلع 2026.

2. ​توفير الأجهزة الرقمية:

تم توزيع أكثر من 9000 جهاز لوحي (Tablet) و400 حاسوب محمول (Laptop)، إضافة إلى 1700 مجموعة أدوات تكنولوجيا المعلومات (ICT Kits) على أكثر من 400 مدرسة رسمية في مختلف المناطق اللبنانية منذ 2023.

3.​ منصة "مدرستي" الرقمية وبرنامج "STEM":

بالتعاون مع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء (CERD)، طوّرت المنظمة منصة "مدرستي" التي توفّر محتوى تعليمياً رقمياً يتوافق مع المناهج اللبنانية الرسمية من مرحلة الروضة حتى الصف الثاني عشر.

كذلك، نفذت المرحلة الأولى من برنامج STEM في مجالات العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، الرياضيات، في 25 مدرسة رسمية بمشاركة أكثر من 3000 طالب.

4.​ تدريب الكوادر التعليمية:

بالتعاون مع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء ((CERD تمّ تدريب أكثر من 10,000 معلم في عامي 2024 و2025 على استخدام منصة "مدرستي" وأدوات التعليم الرقمي خلال حالات الطوارئ. وتستعد اليونيسف لأن تدعم وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء لإطلاق مرحلة جديدة من التدريب، مع العمل على إجراء تقييم أوّلي لمستوى الأساتذة في المهارات التقنية وتقديم برامج تدريبية حول تطبيق التعليم الرقمي، بما يراعي احتياجات كل فئة.

تحدّي الأهل... التحدّي الأصعب؟

خلال مناقشة هذه المسألة مع الزميل راغب ملّي، الصحافي المتخصّص في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو أب يواجه التحدّي ذاته كسائر الأهالي، لخّص رأيه قائلاً: "في ظل وجود شات جي بي تي، لايزال ابني يلجأ إليّ كمرجع". إلا أنه لاحظ أنّ ابنه يعيد في بعض الأحيان طرح السؤال على شات جي بي تي، كأنه يجري تدقيقاً ثانياً بعده. وفي ختام حديثه، يتساءل راغب مبتسماً: "هل يعني ذلك أنني لم أعد أقوى بابا في العالم بالنسبة إليه؟".

وفي ظل التحدي القائم في هذا المجال، تقع مسؤولية كبيرة على الأهالي، لتمكين أبنائهم من الاستفادة من الأدوات الرقمية المتوافرة بين أيديهم، وأن يكون ذلك في الوقت نفسه تحت إشرافهم. فلا تكون هذه الأدوات مرجعهم الوحيد، بل وسيلة تعلّم داعمة ومتكاملة مع دور الأهل والجسم التعليميّ.


رهان الأمان والخصوصية

في ختام المشهد، ورغم كل ما ذكر، فإن نجاح هذا التحول متصل بمدى ضمان الأمان الرقمي والخصوصية للطلاب، خصوصاً في ظل انتشار المنصات التعليمية وأدوات الذكاء الاصطناعي التي تجمع بيانات حساسة عن الأطفال وسلوكهم التعلمي.

 

إن حماية هذه البيانات تشكّل اليوم أحد أعمدة الثقة الرقمية التي من دونها يفقد التعليم الرقمي معناه الأخلاقي والإنساني. والعدالة الاجتماعية تبقى جوهر هذا التحول، إذ لا يمكن الحديث عن تعليم رقمي ناجح ما لم تُتح الفرص نفسها لجميع الأطفال، بغضّ النظر عن مكان سكنهم أو وضعهم الاقتصادي.

 

من هنا، يصبح الرهان الحقيقي ليس على توسيع رقعة التكنولوجيا في المدارس فحسب، بل أيضاً على تحديث المناهج لتشمل المهارات الأساسية المطلوبة في عصر الذكاء الاصطناعي. والأهمّ بناء منظومة رقمية آمنة، عادلة، وشاملة، تضع الطفل في قلب عملية التحول، وتضمن لكل طفل في لبنان حقه الكامل وخصوصيته وأمانه الرقميّ.

الأكثر قراءة

سياسة 11/18/2025 10:10:00 PM
استهداف إسرائيلي في عين الحلوة... وعدد كبير من الضحايا.
سياسة 11/19/2025 1:59:00 PM
مصادر في المتحف توضح في اتصال مع "النهار" تفاصيل صنع التمثال
سياسة 11/19/2025 7:27:00 PM
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي:  تم تقديم بلاغات بشأن بعض الأهداف الموجودة داخل القرية خلال الأشهر الأخيرة عبر الآلية المخصصة لتنفيذ التفاهمات، لكنها لم تعالَج
مجتمع 11/18/2025 10:59:00 PM
أثناء استكمال المداهمة لمنزل شقيقه المطلوب حسين عباس جعفر، انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة في بوابة المنزل...