الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة أمام الشباب الأردني في معركة المناخ

يُعدّ التغير المناخي من أخطر التحديات التي تواجه العالم اليوم، إذ لا تنحصر آثاره في ارتفاع درجات الحرارة أو ندرة الأمطار، بل تمتد إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي وزيادة الضغط على الموارد الأساسية. في بلد مثل الأردن، حيث المياه شحيحة، والمساحات الزراعية في تراجع، تبدو الأزمة أكثر حدة. مع ذلك، يرى جيل جديد من الشباب أن هذه التحديات قد تكون فرصة لإطلاق طاقاتهم الابتكارية، وتسخير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لصياغة حلول عملية.
في حديثها مع "النهار"، قالت المهندسة مرام خريسات، المتخصّصة في قضايا المياه والبيئة والتغير المناخي، إن الشباب الأردني أثبت خلال السنوات الأخيرة أنه قادر على تحويل الأزمة المناخية إلى حافز للعمل والإبداع. وتشير إلى أن أبرز الأمثلة على ذلك ما قامت به سبع شركات ناشئة في "إربد" و"المفرق"، حيث طوّرت أنظمة ريّ ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، نجحت في خفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 20%، إضافة إلى زيادة الإنتاج الزراعي. وتعتبر خريسات أن هذه النماذج تمثل نقلة نوعية في إدارة الموارد الطبيعية في بلد يُصنَّف ضمن أكثر الدول فقراً بالمياه.
لكن أهمية هذه المبادرات، بحسب خريسات، لا تقتصر على التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في ما تتيحه للشباب من مهارات جديدة. فالمشاريع البيئية التي توظف التقنيات الحديثة تعزز قدرة الشباب على الابتكار، وتدرّبهم على العمل الجماعي، وتمنحهم فرصاً لإبراز القيادة في إدارة المشاريع، إلى جانب تعزيز التفكير النقديّ وتحليل المشكلات بطرق غير تقليدية.
توضح خريسات أيضاً بأن التجربة الأردنية في هذا المجال لم تكن معزولة، بل جاءت ضمن حزمة مبادرات وطنية ودولية دعمت مشاركة الشباب. ففي عام 2024 مثلاً، أتاحت شراكة بين اليونيسف وبنك الاتحاد المجالَ لمشاركة نحو 100 ألف شاب وشابة في نشاطات توعوية، إضافة إلى تدريب 3 آلاف مشارك في وظائف خضراء، كان نصفهم من النساء. كذلك ساهمت برامج مثل SAWN ("صون") في جمع مئات الشباب لوضع حلول مناخية مبتكرة، وصولاً إلى مشاركتهم في مؤتمر المناخ COP28.
تضيف خريسات أن إدماج الشباب في السياسات البيئية يعزز من أثر جهودهم، مشيرة إلى مؤتمر LCOY، الذي جمع 200 شاب قدموا توصيات مباشرة للوزراء، فضلاً عن حوارات أطلقتها الجمعية العلمية الملكية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإشراك الشباب في صياغة المساهمات الوطنية المتعلقة بالمناخ (NDCs).
ومع أن التكنولوجيا تبرز كأداة رئيسية، فإن خريسات تشدد على أن قيمة هذه المبادرات تكمن أيضاً في ما تخلقه من فرص مستقبلية. فمجالات مثل الطاقة المتجددة، الزراعة الذكية، وإدارة المياه، باتت من أسرع القطاعات نمواً في الأردن، وكل نجاح شبابي فيها لا يضيف فقط إلى الاقتصاد الوطني، بل يرسخ أيضاً ثقافة الاستدامة والابتكار.
وتختم خريسات حديثها بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة وطنية لمواجهة التغير المناخي وإدارة الموارد الشحيحة بكفاءة. وترى أن دعم الجهود الشبابية في هذا المسار هو السبيل نحو بناء مستقبل أخضر يوازن بين التنمية والبيئة، ويجعل من الشباب الأردني قادة حقيقيين للتغيير.