في زمن الحروب والأزمات والكوارث... إحذروا الصور والفيديوهات المولَّدة بالذكاء الاصطناعي!
في زمن الحروب والأزمات والكوارث، لم يعد المشهد الإعلامي محصوراً في الصور الميدانية أو الفيديوهات الموثّقة من أرض الواقع. اليوم، تدخل الصور والفيديوهات المولَّدة بالذكاء الاصطناعي على الخطّ بقوة، لتتحول إلى جزء من ساحة المعركة الإعلامية، حيث تختلط الحقيقة بالوهم وتتصارع الروايات. هذا التحول يطرح سؤالاً جوهرياً: هل هذه التكنولوجيا أداة لمعرفة أفضل أم سلاح لتضليل أخطر؟
الذكاء الاصطناعي... أداة معرفة أم سلاح تضليل؟
وتعليقاً على الموضوع سألت "النهار" أستاذ حوسبة اللغات والذكاء الاصطناعي غسان مراد، فقال: "التضليل ليس وليد التكنولوجيا الحديثة، بل ممارسة قديمة رافقت الأزمات والحروب منذ ما قبل الكتابة. لكن ما يميّز المرحلة الحالية هو سهولة إنتاج ونشر المحتوى المزيف عبر تقنيات "التزييف العميق" (Deepfake)، حيث بات بإمكان أي شخص، مهما كانت خبرته التقنية محدودة، أن يصنع صوراً أو فيديوهات مضللة ويبثها على منصات التواصل".

ولفت مراد إلى أنّ "مسؤولية المؤسسات الأكاديمية والإعلامية تكمن في تبسيط العلوم وتعزيز ثقافة التحقق، سواء عبر شرح آليات التزييف للجمهور، أو عبر اعتماد أدوات مثل البحث العكسي عن الصور، وصولًا إلى الاعتراف العلني بالأخطاء عند نشر أخبار مضللة".

وعلى مستوى التشريعات، أكّد مراد لـ"النهار" أنّ التحدي يكمن في تحديد المسؤولية: "هل تقع على الخوارزميات، أم الناشر، أم المنصة، أم المستخدم؟"، مضيفاً أنّ "القوانين وحدها لا تكفي، بل يجب أن تترافق مع تحديث دائم يواكب تطور التكنولوجيا، ومع إدماج التربية الرقمية في المناهج التعليمية، لتنشئة أجيال أكثر وعياً، إضافةً إلى تطوير أدوات خاصة لرصد المحتوى المضلل، بدل الاعتماد فقط على المنصات التي تتيح إنشاء هذا النوع من الفيديوهات".
خداع بصري: كيف يكشف الذكاء الاصطناعي المحتوى المزيف؟
أما الخبير الإلكتروني عامر الطبش فأوضح لـ"النهار" أنّ "التطور التقني في الذكاء الاصطناعي جعل الصور والفيديوهات المولَّدة تبدو دقيقة وواقعية، بشكل يصعب أحياناً على العين المجرّدة كشف زيفها. فالتفاصيل البصرية الدقيقة، مثل الإضاءة الواقعية، الظلال المتناغمة، وتعابير الوجه وحركاته الدقيقة، تمنح هذه المواد المضللة مصداقية كبيرة".
ورأى الطبش أنّ "الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين. فبينما يُستخدم في نشر التضليل، يمكن أيضاً توظيفه لرصد الأنماط والكشف عن عمليات التزييف بسهولة أكبر من الطرق التقليدية، مما يتيح للمؤسسات الإعلامية والأكاديمية حماية الجمهور وتعزيز وعيه بالمحتوى الرقمي".

التدقيق في مواجهة الموجة الاصطناعية
وتتفق مدققة المعلومات والصحافية في وكالة "فرانس برس" جويس حنّا مع مراد والطبش، وأوضحت لـ"النهار" أنّ "الكشف عن الصور والفيديوهات المفبركة بالذكاء الاصطناعي أصبح أكثر تعقيداً مع تطوّر هذه التقنيات، بعدما كانت الأخطاء التقنية في المراحل الأولى واضحة وسهلة الرصد".

وشرحت مدققة المعلومات أنّه رغم انتشار أدوات جديدة، تبقى "الكلاسيكيات" مثل البحث العكسي، تقطيع الفيديو، وتتبع مصدر المحتوى، أساس عمل المدققين، فيما يظل الذكاء البشري العامل الأهم في الفصل بين الحقيقي والمزيف.
ونصحت حنّا الصحافيين بعدم التسرّع في النشر سعياً وراء "السكوب"، ودعت القراء إلى التحلّي بثقافة الشكّ وعدم مشاركة أي صورة أو فيديو من دون التأكد من صدقيته، خصوصاً في أوقات الأزمات والحروب.

وفي الحديث عن المنصات التي تعنى بكشف الصور والفيديوهات المولَّدة بالذكاء الاصطناعي، كشف يوسف الأمين، مدير تحرير منصة "صواب"، في حديثه لـ"النهار"، أنّ هذه المنصات تلعب دوراً أساسياً في رفع وعي الجمهور وتعزيز ثقافة التثبت من المعلومات.
تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صورة يزعم ناشروها أنها تُظهر "انهيار الفنانة #فيروز ونقلها إلى المستشفى بعد وفاة نجلها #زياد_الرحباني". لكن بعد التحقق، اتّضح أن هذه الصورة مُولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وليست حقيقية:
— Sawab - صواب (@Sawablb) July 27, 2025
- ملامح الوجه في الصورة لا تتطابق مع ملامح فيروز… pic.twitter.com/RoKruxIenl
وأوضح الأمين أنّ "صواب" لا تقتصر على كشف الأخبار والفيديوهات المضللة فحسب، بل تسعى إلى إشراك الجمهور مباشرة في عملية التحقق. من خلال تبسيط الأدوات والمنهجيات، يمكن للأفراد ووسائل الإعلام المشاركة في تحليل المحتوى المشكوك فيه وإرسال نتائجهم للمنصة، ما يعزز وعيهم ويجعلهم جزءاً فاعلاً من مكافحة التضليل الرقمي.

وأشار مدير تحرير منصة "صواب" إلى أنّ "هذا النهج يساعد على ترسيخ ثقافة التفكير النقدي لدى الجمهور، ويتيح لهم التعلم كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي بسرعة وكفاءة، خصوصاً في أوقات الأزمات والحروب حيث تنتشر الأخبار المزيفة بسرعة كبيرة".

في ضوء هذه المعطيات، يتضح أنّ الصور المولَّدة بالذكاء الاصطناعي لم تعد مجرّد تقنية تجريبية، بل باتت جزءاً من معركة السرديات في الأزمات والحروب. فهي قادرة على صناعة واقع بديل يخدع الملايين، لكنّها في المقابل تتيح تطوير أدوات أكثر فعالية للكشف والمواجهة.
يبدو أنّ المعركة بين الحقيقة والوهم لن تُحسم بالتكنولوجيا وحدها، بل بوعي الجمهور، والتزام المؤسسات الإعلامية بالتحقق، وإدماج التربية الرقمية في المجتمع. ففي عالم يتسارع فيه تدفق المعلومات، يصبح التحقق والتفكير النقدي خط الدفاع الأول ضد التضليل الرقمي.
نبض