المنصات الرقمية: عدسة جديدة تكشف وجه العالم الثالث

ما هي أول صورة تخطر في أذهانكم عندما تسمعون بـ"أفغانستان"؟ في الحقيقة، عندما يسمع غالبنا بإسم هذه الدولة أول صورة سترتسم في ذهنه ستكون لجماعات "طالبان" المسلحة.
يواجه العديد من بلدان العالم الثالث العربية وغير العربية، تحديات كبيرة تتعلق بالصورة النمطية التي يتم تصويرها في وسائل الإعلام عنها. غالباً ما يتم تصوير هذه البلدان على أنها أماكن يعمّها الفقر والصراعات، مما يساهم في تشكيل صورة سلبية تؤثر على نظرة العالم اليها. ولكن مع تقدم التكنولوجيا وزيادة استخدام منصات التواصل الاجتماعي، باتت لدى منشي المحتوى من مختلف أنحاء العالم فرصة لتغيير هذه الصورة النمطية وإظهار الجوانب الأخرى من هذه البلدان، ما يساعد في تقديم صورة أكثر شمولية وإنسانية.
نولان سويمور، يوتيوبر كندي يبلغ من العمر 28 عاماً، عبر الحدود من باكستان إلى أفغانستان في الصيف الماضي. أمضى أسبوعاً في السفر عبر البلاد التي تسيطر عليها "طالبان" برفقة دليل محلي وكاميرا، بهدف إظهار ما سمّاه "الجانب الآخر من أفغانستان" من الجمال الطبيعي وحتى اللحظات الممتعة التي يعتقد أنها لا تُعرض في وسائل الإعلام.
سويمور، صاحب قناة "Seal on Tour" التي تضم 650 ألف مشترك، معروف بمقاطع الفيديو المثيرة مثل "48 ساعة في أكبر حي فقير في الهند". وفي رحلته إلى أفغانستان، أظهر تجربة سفر مثيرة بالتفاعل فقط مع الرجال هناك. فمنذ عام 2021، جرى حظر النساء فعلياً من العديد من جوانب الحياة العامة بموجب قوانين "طالبان". ويعرض سويمور في معظم مقاطع الفيديو أجواءً ملؤها المرح مع الرجال الأفغان في الحدائق وركوب القوارب والتجول في بحيرة بند-إمِير.
العديد من منشئي المحتوى، مثل سويمور، بدأوا بزيارة أفغانستان منذ انسحاب الولايات المتحدة من البلاد. وغالبنا عندما يسمع بإسم أفغانستان سيتخيل جماعات "طالبان" المسلحة، كأننا نحصر أي دولة بالجانب المظلم الذي سلط العالم بكل قوته الضوء عليه. أفغانستان واحدة من كثير من الدول التي تواجه أيضاً التنميط والتعليب، وهنا يبرز دور الإعلام البديل لكي يكون عين العالم في أزقة هذه البلاد، بحلوها ومرها.
فرصة أمام البلدان النامية
من مختلف الخلفيات يستطيع المبدعون استخدام منصاتهم الرقمية لعرض التنوع الثقافي والجمالي في بلدانهم وبلدان أخرى. ومن خلال منصات مثل "يوتيوب"، "إنستغرام"، و"تيك توك"، يمكن لمنشئي المحتوى عرض محتوى من شأنه أن يعزز فهم المشاهدين لهذه البلدان من زاوية مختلفة، بعيداً من الصور النمطية التي تركز على الفقر أو الصراعات مثلاً. فالمنصات الرقمية ليست مكاناً للتسلية والترفيه فحسب، بل يمكن أن تكون منصة للتوعية والتغيير الاجتماعي. من خلال مشاركات حقيقية، يمكن للمستخدمين في بلدان العالم الثالث تسليط الضوء على التحديات التي يواجهونها، خصوصاً في القضايا السياسية. ومن خلال قصص فردية وجماعية، يمكن للمبدعين تغيير التصورات السائدة وإظهار أن بعض البلدان ليس مجرد أماكن مليئة بالصعوبات، بل أيضاً مليئة بالأمل.
كذلك، من خلال المنصات الرقمية، يمكن عرض مبادرات اجتماعية أو مشروعات تنموية، كما تحفيز الشباب في هذه البلدان ليكونوا جزءاً من التغيير.
بناء جسور بين الثقافات
تتيح منصات التواصل للأشخاص من مختلف أنحاء العالم التعرف على ثقافات جديدة والتفاعل معها بشكل مباشر. المبدعون الذين يعرضون جوانب مختلفة من حياتهم اليومية، المأكولات التقليدية، واللغة المحلية، يمكنهم بالفعل بناء جسور بين ثقافات مختلفة. هذا التبادل الثقافي يعزز الفهم المتبادل ويقلل كذلك من الصور النمطية السلبية.
في كثير من الأحيان، لا يجري إعطاء الفرصة للأصوات المحلية في البلدان النامية للظهور في وسائل الإعلام العالمية، مما يعزز الصور النمطية التي تُرسخ عنها. ولكن مع منصات مثل "يوتيوب" و"إكس"، يتمكّن المستخدمون من نقل رسائلهم مباشرة إلى جمهور عالمي، من دون حواجز، مما يمنحهم فرصة لتشكيل الرأي العام بشأن بلادهم.
إن منشي المحتوى والمنصات الرقمية لديهم القدرة اليوم على تغيير الصورة النمطية السائدة حول العديد من البلدان ومنها العربية. من خلال عرض التنوع الثقافي، تسليط الضوء على التحديات والإنجازات، وتمكين المجتمعات المحلية، يمكنهم إعادة تشكيل الطريقة التي يتم بها رؤية هذه البلدان على مستوى العالم. كما أن المنصات تفتح فرصاً جديدة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، مما يجعلها أداة قوية في يد أي مستخدم لتحقيق التغيير الإيجابي.