علاقة معقدة ومتناقضة تجمع الإدارة الأميركية الجديدة بشركات التكنولوجيا العملاقة. فبينما تستعد الإدارة لدعم هذه الشركات في مواجهة القيود الأوروبية، تهدد في الوقت نفسه بمراقبة سلوكها عن كثب. إنها لعبة توازن دقيقة، حيث تتداخل المصالح وتتشابك الخيوط.



هذا ملخص مربك لكنه دقيق لعلاقة إدارة ترامب بشركات وادي السيلكون. من ناحية، تستعد الإدارة لمشاجرة مع المشرّعين الأوروبيين الذين كانوا يعاقبون شركات مثل "أبل" و"غوغل" و"ميتا" بسبب انتهاكات مكافحة الاحتكار، فتكون سيفاً في ظهورهم؛ ومن ناحية أخرى، تحذر شركات التكنولوجيا الكبرى من أنها ستراقب المنصات "التي تتصرف بشكل سيئ".



"الجزرة والعصا"



لقد رأينا كلا الجانبين من إدارة الرئيس دونالد ترامب، إذ أعلنت لجنة التجارة الفدرالية في مذكرة عن تحقيق في الرقابة التقنية يهدف إلى البحث في عمل المنصات التي تحرم المستخدمين من الوصول إلى الخدمات أو تقلل من قدرتهم على الوصول إليها استناداً إلى محتوى خطاباتهم أو انتماءاتهم.



يتكهّن كيسي نيوتن، مؤسس "بلاتفورمر"، بأن جهود لجنة التجارة الفدرالية تبدو مصممة على كشف المحتوى المختار بعناية، والتي تصبّ في صالح حزب سياسي واحد. ويضيف "يبدو لي هذا صحيحاً، ومن المؤكّد أنّني سأتفاجأ إذا قضت لجنة التجارة الفدرالية الكثير من الوقت في النظر إلى الطريقة التي تحول بها موقع إكس إلى أقصى اليمين تحت ملكية إيلون ماسك".



ولكن فريق ترامب عرض، بعد يوم واحد، مذكرة تعلن أن الحكومة الفدرالية ستدافع عن الشركات الأميركية ضد "الابتزاز"، من خلال فرض تعريفات جمركية على الدول الأجنبية المعنية. وهذا هو بالضبط ما طلبه قادة التكنولوجيا، بمن في ذلك مارك زوكربيرغ من ترامب.



يبعث ترامب من خلال مذكرات إدارته رسائل مختلفة، إذ يخبر  من يدير بعض أكبر الشركات في العالم، خاصةً تلك التي اصطفت خلفه في حفل تنصيبه رئيساً، بأنه سيدافع عنهم. وفي الوقت نفسه، يخبر ناخبيه بأنه يواصل الضغط على شركات التكنولوجيا الكبرى، تماماً كما وعد. ففي مقابلة الشهر الماضي مع جيه دي فانس على قناة "سي بي إس"، أعلن نائب الرئيس أن "شركات التكنولوجيا الكبرى تتمتع بقدر كبير من القوة"، وأن الشركات بحاجة إلى "التوقف عن ممارسة الرقابة".



التحول في السياسات



في وقت سابق، قام مارك زوكربيرغ بإعلان عن خطوة رئيسية في "ميتا"، حيث قرر إنهاء برنامج تدقيق الحقائق على منصات التواصل، وهو ما وصفه البعض بأنه استسلام للضغوط السياسية. هذا القرار لاقى ترحيباً من قبل اليمينيين، نظراً إلى الاعتقاد بأن تقليل مستوى الرقابة سيعكس وجهات نظر أكثر دقة، بينما أعرب آخرون عن قلقهم من زيادة المعلومات المضلّلة. القرارات التي اتّخذها زوكربيرغ تعكس ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية التي تطالب بمكافحة المعلومات المضلّلة، وتتهم الشركات اليوم بالتحول نحو بيئات عمل أكثر تلاؤماً مع التوجّهات اليمينية.



أمّا ماسك فقد أثار نقاشات جادة حول دوره الداعم للتيارات اليمينية في أوروبا، عبر تغريداته على منصته "إكس" ومشاريعه التكنولوجية التي تدعمها جورجيا ميلوني زعيمة اليمين ورئيسة الحكومة الإيطالية. دعم ماسك لسياسة اليمين في قضايا الهجرة بإيطاليا بدا واضحاً، عندما استهدف قضاة الهجرة الإيطاليين في قضية عدم ترخيصهم بترحيل المهاجرين من عرض البحر إلى مراكز الإيواء في ألبانيا، حيث غرد قائلاً "يجب أن يرحل هؤلاء القضاة"، ثم وصفهم بـ "الديكتاتورية غير المنتخبة التي تتخذ القرارات".



وفي ألمانيا، كانت أليس فالدر القيادية اليمينية، رئيسة "حزب البديل من أجل ألمانيا"، في لقاء مع ماسك الذي دعا إلى التصويت لحزبها. وكان ماسك أعلن في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عبر منصة "إكس"، أن هذا الحزب هو "الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا".



في زمن ترامب اليوم، تتبنى الشركات التكنولوجية والرؤساء من خلفها ما يتماشى مع التحولات في الهيكلة السياسية والاجتماعية. لم يكن تحول رؤساء الشركات من المعارضة إلى التأييد مجرد صدفة، بل هو نتيجة لعملية تدريجية أصبحت اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. حتى أن البعض يحذر اليوم من خطورة هذه التحولات التي تقضي بأن تتحكم المنصات ممثلين بعدد من الأشخاص برأي الأكثرية من الجماهير، وهو ما يهدد جوهر الديمقراطية.