تفوّق أوكراني وتحديات روسية في معركة المسيّرات
تُعدّ الحرب بين أوكرانيا وروسيا ميداناً مفتوحاً لتطوّر تقنيات الحرب الحديثة، ولا سيما منها الطائرات المسيّرة التي باتت عنصراً رئيسياً في ساحة المعركة. في الوقت الذي تمكنت فيه أوكرانيا من تحقيق اختراقات نوعية في الدفاعات الجوية الروسية بفضل تكتيكات متطورة وتقنيات حديثة، فشلت الطائرات المسيّرة الروسية في الوصول إلى العمق الأوكراني بسبب نظم الدفاع والتشويش الإلكتروني المتقدمة. فما العوامل التي أدّت إلى هذه الظاهرة؟
أوكرانيا: تكنولوجيا متقدّمة وتكتيكات ذكيّة
نجحت أوكرانيا في تطوير مجموعة من الأساليب التكنولوجية المتقدمة واستخدامها لضمان نجاح هجماتها الجوية بالطائرات المسيّرة، ومن أبرز هذه العوامل:
*الطائرات المسيّرة ذات الألياف الضوئية: طوّرت أوكرانيا طائرات مسيّرة تعمل بتقنية الألياف الضوئية التي تجعلها محصّنة ضد عمليات التشويش الإلكتروني الروسية، ما يسمح لها بإتمام مهماتها من دون انقطاع الاتصال.
*الضربات البعيدة المدى: شنّت القوات الأوكرانية هجمات دقيقة داخل الأراضي الروسية، مستهدفة منشآت استراتيجية مثل المصافي النفطية والقواعد العسكرية، ما أدى إلى إضعاف القدرات اللوجستية للجيش الروسي.
*الهجمات الجماعية المنسّقة: لجأت أوكرانيا إلى تكتيك الهجمات الجماعية عبر إطلاق عدد كبير من الطائرات المسيّرة في آن واحد، ما يربك الدفاعات الجوية الروسية ويزيد من فرص اختراقها.
*التحليل المتقدّم والاستطلاع: استخدمت أوكرانيا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتحليل الرقمي لاستهداف المواقع الحساسة بدقة، وهذا منحها تفوّقاً تكتيكياً.
التحولات في قطاع الطائرات المسيّرة الأوكرانية
في حديث خاص الى "النهار"، استعرض مصطفى أسعد، المدير السابق للمشاريع الدفاعية الخاصة والباحث في الشؤون العسكرية، التحولات الجذرية التي شهدها قطاع الطائرات المسيّرة في أوكرانيا، وتأثيرها على موازين القوى العسكرية.
وأشار إلى أنّ الحكومة الأوكرانية دعمت بقوّة المجهود الفردي في مجال تطوير الطائرات المسيّرة، ما أتاح لجيل جديد من الشباب تصميم مسيّرات ذات قدرة تدميرية عالية وتصنيعها.
وأضاف: "في السابق، كان هذا المجال يُتجنّب في أوروبا رغم إدراك مستقبله الواعد. إلّا أنّ الشركات الناشئة الأوكرانية نجحت في تصميم المسيّرات وإنتاجها بكميات ضخمة وبتكلفة زهيدة، معتمدة على برمجيات محلية ومعدات متاحة في الأسواق، فيما تمّ تصنيع بقية الأجزاء محلياً عبر الطابعات الثلاثية الأبعاد.".
وأوضح أسعد أنّ أوكرانيا تفوقت في إنتاج مسيّرات FPV واستخدامها، ما أدّى إلى نشوء جيل جديد من المقاتلين القادرين على تهديد جبهات كاملة عبر الطائرات المسيّرة القاتلة. ولفت إلى أنّ فكرة أسراب المسيّرات القاتلة (Swarm Drones) كانت محل دراسة لدى القوى العظمى، بحيث طُرحت خطط لإطلاق 10,000 مسيّرة في هجوم مركّز. غير أنّ الصناعات العسكرية التقليدية لم تتبنَّ المشروع نظراً الى انخفاض جدواه الاقتصادية مقارنة بالأسلحة التقليدية ذات الأكلاف المرتفعة.
وأضاف الباحث العسكري أنّ أوكرانيا استطاعت شلّ قدرات الحرب الإلكترونية الروسية من خلال تنفيذ هجمات صاروخية مركّزة ضدّ مواقع التشويش، ما أضعف قدرة موسكو على اعتراض المسيّرات.
روسيا: العقبات أمام نجاح الطائرات المسيّرة
في المقابل، واجهت الطائرات المسيرة الروسية تحديات عدة حالت دون نجاحها في تحقيق اختراقات مماثلة في الأجواء الأوكرانية، ومنها:
*أنظمة الحرب الإلكترونية الأوكرانية: طورت أوكرانيا قدرات تشويش إلكتروني متقدمة، أدّت إلى تعطيل العديد من الطائرات المسيّرة الروسية أو إجبارها على تغيير مسارها.
*نجاح الدفاعات الجوية الأوكرانية: أظهرت أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية كفاءة عالية في اكتشاف الطائرات الروسية وتدميرها قبل وصولها إلى أهدافها، ما جعل روسيا عاجزة عن تنفيذ هجمات جوية مؤثرة.
*الاضطرابات التقنية والعملياتية: شهد بعض العمليات الجوية الروسية مشكلات تقنية، وصلت إلى حد إسقاط قواتها لطائراتها الخاصة لمنع وقوعها في أيدي الأوكرانيين.
السباق التقني مستمر
من جانبها، سعت روسيا إلى تطوير معدات متنقّلة لحماية مواقعها الحيوية، ما ساهم جزئياً في تقليل الخسائر. إلّا أنّ السباق التقني لا يزال مستمرّاً، إذ يعمل الطرفان حالياً على تطوير مسيّرات جديدة مزوّدة كوابل من الألياف الضوئية، ما يمنحها قدرة تشغيلية أفضل، ودقّة أعلى في نقل الصور، فضلًا عن عدم تأثّرها بالتشويش الإلكتروني.
واختتم أسعد حديثه بالتأكيد أنّ التطور المتسارع في تكنولوجيا المسيّرات سيشكل عاملاً حاسماً في النزاعات المستقبلية، إذ أصبح الابتكار الفردي يلعب دوراً لا يقلّ أهمية عن الإستراتيجيات العسكرية التقليدية.
بينما تمكنت أوكرانيا من فرض هيمنتها على ساحة الطائرات المسيّرة من خلال الابتكار التكنولوجي والتكتيكات الذكيّة، أظهرت روسيا قصوراً في هذا المجال، ما يعكس مدى أهمية التقنيات الحديثة والقدرات الدفاعية في حسم معارك الحروب الحديثة. في ظل استمرار هذه التطورات، يبدو أن الصراع الجوي بين الطرفين سيظلّ عاملاً حاسماً في مسار الحرب، ما يدفع الطرفين إلى مزيد من التطوير والتكيّف مع الظروف المتغيرة.
نبض