صراع الرقائق: تايوان تواجه ضغوطاً أميركية

لم يعد من المستغرب أن يُشعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً جديداً بعد كلّ تصريح، مثلما حدث عند تصريحه حول هيمنة تايوان على صناعة الرقائق الإلكترونية. ففي الوقت الذي يسعى فيه ترامب جاهداً لإعادة صناعة الرقائق إلى كنف الولايات المتحدة، ردّت تايوان مؤكّدةً أن سيطرتها على هذه الصناعة ليست احتكاراً بل نتيجة استثمارات ضخمة وجهود متواصلة.
وبعد أن انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب هيمنة تايوان على صناعة الرقائق، معرباً عن نيته استعادة تصنيع الرقائق إلى داخل أراضي الولايات المتحدة، أتى الرّد من الجزيرة بأنه ليس هناك حاجة لتسيطر دولة واحدة على الصناعة أو تحتكرها.
وكان ترامب اتّهم تايوان مراراً بـ"سرقة" صناعة الرقائق الأميركية، وهدّد بفرض رسوم جمركية على أشباه الموصلات الأجنبية، مؤكّداً تفضيله استخدام الرسوم، بدلاً من الإعانات الحكومية لدعم التصنيع المحليّ، أي السياسة التي اعتمدها سلفه جو بايدن.
من جهته، كان الرئيس التايواني قد تعهّد بمعالجة مخاوف ترامب بشأن صناعة أشباه الموصلات، مؤكّداً على التعاون مع الولايات المتحدة لتعزيز سلاسل التوريد وتعزيز الاستثمار. ودعا إلى تحالف عالميّ بشأن رقائق الذكاء الاصطناعي لإنشاء "سلسلة توريد ديمقراطية".
"TSMC"... سيادة عالم الرقائق
شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات "TSMC"، أكبر شركة تصنيع رقائق في العالم، هي الشركة التايوانية المتخصصة في تصنيع الرقائق الإلكترونية التي تستخدم في مختلف الصناعات مثل الهواتف الذكية، أجهزة الكمبيوتر، السيارات الذكية، والعديد من الأجهزة الإلكترونية الأخرى.
تقدم الشركة تقنيات تصنيع مبتكرة مثل تقليل حجم الرقائق الإلكترونية مع تحسين أدائها بشكل كبير. هذه الابتكارات لها دور أساسيّ في تقديم تقنيات مثل الحوسبة السحابية. وتلعب شركة تصنيع أشباه الموصلات دوراً حاسماً في صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث تزود عمالقة مثل "أبل" و"نفيديا".
وعلى صعيد التعاون الأميركي، تستثمر الشركة التايوانية 65 مليار دولار في مصانع الولايات المتحدة، وهو مشروع بدأ في عهد إدارة ترامب الأولى. وحديثاً، أشار المسؤولون التايوانيّون إلى أنّهم سيدعمون المزيد من الاستثمارات الأميركية إذا وجدت "TSMC" ذلك ممكناً.
وتعدّ تايوان من الدول التي تحقق فائضاً تجارياً كبيراً مع الولايات المتحدة، إذ ارتفع هذا الفائض بنسبة 83 في المئة عام 2024، مع وصول صادرات الجزيرة إلى مستوى قياسي بلغ 111.4 مليار دولار، مدفوعة بالطلب القويّ على المنتجات التقنية المتقدّمة، مثل أشباه الموصلات.
صفقة محتملة بين "إنتل" و"TSMC"... تشغيل المصانع الأميركية
تحت مظلة ترامب، تحاول شركة وادي السليكون العملاقة إبرام صفقة تأمل في أن تساعدها على الخروج من حالة الركود التي استمرّت لسنوات. وتعمل "إنتل"، أيقونة وادي السليكون المنهارة، التي تحاول استعادة سمعتها كأبرز شركة أشباه الموصلات في أميركا، مع إدارة ترامب على خطة لتسليم تشغيل مصانع تصنيع الرقائق إلى المنافس التايواني العملاق.
ومن المحتمل أن "TSMC"، التي تنتج ما يقدر بنحو 90 في المئة من أشباه الموصلات الأكثر تقدّماً في العالم، ستتولى السيطرة على أعمال التصنيع الخاصة بشركة "إنتل" وتستحوذ على حصة الأغلبية في الأعمال إلى جانب عدد من المستثمرين. والاتفاق المحتمل قد يتضمّن حصول كبار مصمّمي الرقائق الأميركيين على حصص ملكيّة في المشروع. ويهدف هذا إلى ضمان بقاء المشروع تحت سيطرة أميركية جزئية، بدلاً من أن يكون مملوكاً بالكامل لشركة أجنبية. وقد شجّعت إدارة ترامب شركة " TSMC"على إبرام الصفقة.
"إنتل" كانت في طليعة الجهود الأميركية لتعزيز التصنيع المحليّ لأشباه الموصلات. ولم يتّضح بعد حجم أعمال التصنيع التي ستستحوذ عليها "TSMC"، أو مقدار الأموال التي ستستثمرها الشركة التايوانية. وتدهورت آفاق أعمال "إنتل" بعد فشلها في تطوير رقائق الهواتف الذكيّة والذكاء الاصطناعي، على الرغم من جهود الحكومة الأميركة لإحياء الشركة من خلال الوعد بمليارات الدولارات عبر قانون "CHIPS" لإدارة بايدن.
لطالما وضع الصراع بين الولايات المتحدة والصين في صناعة أشباه الموصلات ومسألة استقلال تايوان شركة "TSMC" في دائرة الضوء. فالأمر لا يتوقف على عمالقة التكنولوجيا، بل يمتدّ ويتعقّد، ويُعتبر مسألة تخصّ الأمن القومي الأميركي أيضاً، لأن الشركة التي تصنّع الرقائق الإلكترونية تُعتبر الوقود الذي يحرك معظم أسلحة الترسانة العسكرية الأميركية. وتخيم على المفاوضات اليوم تساؤلات حول نهج ترامب تجاه صناعة الرقائق وتايوان، بعد أن هدّد بفرض رسوم جمركيّة على الرقائق المصنوعة في الخارج، والذي يختلف بشكل حادّ عن استراتيجية الرئيس السابق بايدن.