تُجسّد محاسن فتوح روح الإصرار التي لا تنكسر، بعدما شقّت طريقها بثبات في واحدة من أصعب الرياضات وأكثرها تحدياً للذات: رفع الأثقال. ورغم الصورة النمطية التي لطالما اعتُبرت فيها هذه الرياضة حكراً على الرجال، استطاعت محاسن أن تغيّر الواقع، لتصبح أول لبنانية تُدوّن اسمها في تاريخ الأولمبياد ضمن منافسات هذه الرياضة، بعدما تأهلت إلى ألعاب طوكيو 2020.

تحدت التقاليد وحملت الحديد... يارا حداد لبنانية تعيد تعريف القوة والجمال (فيديو)

ولا تعد مسيرة محاسن مجرد إنجاز رياضي، بل قصة شجاعة وإرادة تؤكد أن المرأة قادرة على اختراق الحدود وتحدي التوقعات، ورفع راية بلدها في المحافل العالمية بأعلى درجات القوة والاحتراف، حتى لو كانت تعيش في بلد آخر يبعد آلاف الكيلومترات عن العاصمة بيروت.

لماذا رفع الأثقال؟
في مجتمعنا، للوهلة الأولى، حين نقول رفع الأثقال، يخطر في بالنا الشباب والرجال، لما تحتاجه هذه الرياضة من قوة جسدية وأحياناً ضخامة في الجسم، لكن محاسن فتوح، كسرت القاعدة، وأثبتت أن هذا مجرّد كلام.

محاسن فتوح.

محاسن تحدّثت الى "النهار" عن سبب اختيارها رفع الأثقال، على رغم أنها رياضة قد يعتبرها البعض "ذكورية": "أعتقد أن كل الرياضات كانت تُعَدّ في السابق حكراً على الرجال، إلى أن بدأت النساء يُبرهِنَّ على ما يستطعن فعله. لقد بدأتُ في المدرسة ضمن فريق يضم العديد من الفتيات، لذلك لم أشعر يوماً أنها رياضة للرجال، بل رأيتها رياضة للنساء أيضاً"، موجهة رسالة إلى كل امرأة: "من الممتع أن تكوني قوية".

View this post on Instagram

A post shared by Annahar (@annaharnews)

محاسن فتوح... شغف وتحمّل
ولم يكن صعود فتوح، التي تعيش في ولاية كارولينا الجنوبية بالولايات المتحدة، إلى منصّة العالمية مصادفة، بل ثمرة رحلة طويلة من العمل الشاق والانضباط الذهني والبدني. ففي بيئة تفتقر إلى الدعم الكافي لرياضة رفع الأثقال، وجدت محاسن في التحديات دافعاً إضافياً لبناء مسار مختلف.

محاسن فتوح.

وتضيف: "لبنان هو موطني الجذري، وهو المكان الذي تنتمي إليه عائلتي. أعتقد أنني اخترتُ تمثيل لبنان رياضياً، لكن قوتنا تتجلى في جوانب عدة. وأرى أن الشعب اللبناني يتمتع بقدرة على الصمود تفوق ما ينبغي لأي شعب أن يُضطر لتحمله. وآملي هو أن أُظهر للعالم جزءاً بسيطاً مما نستطيع تحقيقه".

تمارين رفع الأثقال: 5 فوائد صحيّة للمرأة

ميدالية أولمبية
وتؤكد فتوح: "إنه لشرف كبير أن أمثل لبنان في الأولمبياد. لطالما كان أملي، حتى وأنا الأولى، ألا أكون الأخيرة، خصوصاً أن هناك بالفعل المزيد من الأشخاص الذين يمارسون هذه الرياضة. لدي الآن زميلة في الفريق، اسمها أليكسا مينا، وقد مارست الرياضة منذ ثلاث سنوات، وآمل أن أراها في الدورة المقبلة من الألعاب الأولمبية".

محاسن فتوح.

وتتابع: "بمجرد أن تصل إلى الأولمبياد، تصبح رباعاً أولمبياً إلى الأبد. بالطبع، سيكون من الرائع الفوز بميدالية، لكنني أعتقد أنه سواء فعلت ذلك أم لم أفعل، فهذا لا يقلل مما أنجزته بالفعل. أملي الكبير هو المساعدة في تأسيس فريق شبابي، بحيث أتمكن ربما من أن أكون جزءاً من الجيل القادم. فإذا لم أتمكن من الفوز بميدالية شخصياً، ربما أكون جزءاً ممن يحققها".

"لبنان بلد جميل"
وتبرز أهمية إنجاز محاسن فتوح في قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، فقد حملت على عاتقها مسؤولية تمثيل بلد يعيش أزمات متلاحقة، وتقول: "أعتقد أن كل فتاة قادرة على فعل أي شيء مهما كان. أفعل ذلك في الرياضة، لكن حتى في عائلتي، فهم أذكياء جداً ومجتهدون بالفعل ويسعون نحو تحقيق أحلامهم. لذلك، يمكننا أن نفعل أي شيء نرغب به. وأملي في أن يصبح لبنان مكاناً آمناً بحيث يسهل تحقيق ذلك".

محاسن فتوح.

وختمت معربة عن اعتقادها "أن لبنان مكان كبير وجميل ومتعدد الثقافة، يضم أشخاصاً من خلفيات مختلفة، ونحن الآن منتشرون في أنحاء العالم. وأملي في أن نتمكن جميعاً من العودة إلى الوطن والمساهمة في تطويره. أرى أن من المهم جداً لأولئك الذين يعيشون خارج لبنان أن يساهموا في إعطائه ما يستحق، والمساعدة في جعله ما يمكن أن يكون عليه".