الزمن الذهبي الذي لم يرحم أبناءه... حسن عبود أسطورة تركت على القارعة

رياضة 30-12-2025 | 16:57

الزمن الذهبي الذي لم يرحم أبناءه... حسن عبود أسطورة تركت على القارعة

كان حذاء حسن عبود الرياضي الشعبي "الصيني" رمزًا لتواضعه، وصورة بقيت راسخة في وجدان كلّ من شاهد "الساحر" وهو يركض وراء الكرة بلا كلل
الزمن الذهبي الذي لم يرحم أبناءه... حسن عبود أسطورة تركت على القارعة
"ملك النص" الراحل حسن عبود. (فيسبوك)
Smaller Bigger

لا يمكن الحديث عن "الزمن الجميل" في كرة القدم اللبنانية من دون ذكر اسم حسن عبود، أو كما سماه أبناء جيله ومعايشوه "ملك النُّص".

في زمن كانت فيه الملاعب اللبنانية مجرّد مساحات خشنة، بين الخراب والأمل، ولد حسن عبود في بلدة عربصاليم الجنوبية. كان طفلاً يشاهد الكرة لا كرياضة، بل كملاذ ووعاء لكلّ حلم، كوسيلة للهرب من بساطة الحياة وصعوباتها. لم تكن لديه رفاهية التدريب المجهّز، أو أندية العناية باللاعبين، ولم يكن أمامه سوى موهبته، وحرصه على أن يكون لاعباً يرفع اسم بلده وفريقه عالياً.

كان واضحًا منذ النشأة أن "العبود" مختلف، تمريراته دقيقة، رؤيته للملعب استثنائية، قدرته على السيطرة على إيقاع اللعب ساحرة، واكتسب تاج وسط الملعب ليس لمهارته فحسب، بل لقدرة قلبه على احتواء الفريق بأكمله، على ملء الفراغ بروحه وروح زملائه. وكان حذاؤه الرياضي الشعبي "الصيني" رمزًا لتواضعه، وصورة بقيت راسخة في وجدان كل من شاهد "الساحر" وهو يركض وراء الكرة بلا كلل.

إبداع وسط الدمار


تبدّل كل شيء مع اندلاع الحرب الأهلية، فتحولت الملاعب إلى ساحات اختبار للروح أكثر من كونها ملاذاً للرياضة الشعبية، فالبطولات توقفت أو أُفسدت، والتنقل بين المدن، ولا سيما بين "الشرقية والغربية" دونه مخاطر جمّة، إلا أن عبود لم ينهزم، إذ كان حاضرًا في كل مباراة، صامدًا برغم القذائف وأزيز الرصاص، مصمّمًا على أن يحافظ على رونق النجمة، وعلى منح فسحة من الفرج لجماهير النادي العريضة.

لازم عبود المدرب والعرّاب سمير العدو "أبو علي"، وأضحى قلب "النبيذي"، الذي تبنى الفريق بصموده، وقيادته، وتمريراته التي صنعت أهداف الهدافين. كل فوز كان يعكس معركة أكبر من مجرد المباريات، كانت صموداً بوجه الحرب، وانتصاراً على شظف العيش، وامتداداً لإرادة الإنسان الذي يرفض أن تنهار روحه مع الخراب من حوله.

تمثيل الوطن


على الصعيد الدولي، لم تكن الأمور سهلة أيضاً. كانت المحطة الأبرز في كأس العرب 1988، حيث حمل عبود شارة القيادة مع منتخب لبنان في أصعب ظروف الحرب، وحين كان اللاعبون بلا تجهيزات متكاملة، بلا رواتب وبلا رعاية، لكنهم حملوا اسم لبنان بكلّ فخر ضد منتخبات عربية قوية، مثل العراق والسعودية ومصر، فأظهر عبود شجاعة نادرة، وحافظ على توازن الفريق، وصنع من كرة القدم وسيلة لإثبات وجود لبنان على الخريطة الرياضية، بالرغم من الدمار الذي عاشه وطنهم.

تلك المباريات لم تكن مجرد أرقام أو نتائج، بل كانت شهادة على قدرة الإنسان على العطاء في أحلك الظروف، وعلى أن الوفاء للوطن والفريق أكبر من أيّ عقبات مادية أو اجتماعية.

التواضع والوفاء

اتّسم عبود بالتواضع، فرفض الانتقال إلى أندية أخرى مستمراً بالإخلاص للنجمة، ولو أنه اختتم مسيرته مع الإخاء الأهلي - عاليه، مطلع التسعينيات.

 

الراحل حسن عبود. (وكالات)
الراحل حسن عبود. (وكالات)

 

رحيل حسن عبود يذكّرنا بأن كرة القدم ليست مجرّد ألقاب، ولا جوائز، بل هي وفاء، وتضحيات، وصمود. "ملك النص" ترك بصمة لا تُمحى، ليس في نتائج النجمة أو المنتخب، بل في الروح التي زرعها، في الحبّ الذي منح الجماهير، وفي الدروس التي سيستفيد منها كل لاعب شاب يبحث عن معنى الانتماء والوفاء.

لكن الزمن الذهبي الذي عاشه عبود لم يكن رحيماً. كثير من لاعبي ذلك الجيل عاشوا بعد الاعتزال بلا أيّ تقدير، لا من الأندية ولا من الدولة، فتكبّدوا عناء استمرار الحياة بلا أيّ ضمانات أو تأمينات. حسن عبود لم يكن استثناءً، فقد عاش ببساطة، وبفقر نسبيّ، لكنّه مات كريماً، عزيز النفس، محتفظاً بحبّه للّعبة ووطنه وروحه الصامدة.

 

الراحل حسن عبود يرتدي شارة القيادة لمنتخب لبنان في كأس العرب. (وكالات)
الراحل حسن عبود يرتدي شارة القيادة لمنتخب لبنان في كأس العرب. (وكالات)

 

ومع كل تمريرة ذهبية، ومع كل لحظة سحر على الملعب، كتب حسن عبود اسمه في تاريخ الكرة اللبنانية، وترك إرثاً خالداً، مثالاً للوفاء، والصمود، والإخلاص، والانتماء الحقيقي.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/29/2025 6:20:00 PM
القادة هم: أبو عبيدة ومحمد السنوار ومحمد شبانة ورائد سعد وأبو عمر السوري.
اقتصاد وأعمال 12/29/2025 5:34:00 AM
"بات من مصلحة المكلفين التصريح عن مداخيلهم وتسديد الضرائب ضمن المهل القانونية، تفاديا لرفع السرية المصرفية عن حساباتهم"
النهار تتحقق 12/27/2025 11:17:00 AM
لحظة إنقاذ في الحرم المكي استثنائية، "بطولية" في وصف مستخدمين. ماذا عرفنا عن هذه الصورة؟ 
لبنان 12/29/2025 12:37:00 PM
سمير جعجع دعا إلى عدم التصويت لمحور الممانعة أو "التيار الوطني الحر"