إبراهيم دياز فنان المساحات الضيقة وكاسر القواعد الصامت
لاعب لا ينتظر الإحصائيات لتثبت قيمته، بل يصنع الفارق بالإحساس، باللمسة السحرية، وبقدرته على تغيير مجرى المباريات في اللحظة التي تبدو فيها الخيارات مستحيلة. اللاعب الدولي المغربي إبراهيم دياز يعدّ مثالاً حياً لهذا النوع من اللاعبين الاستثنائيين، فهو موهبة تعبّر بها كرة القدم بلغة خاصة، وقيمة لا تُفهم حقاً إلا حين يُشاهَد وهو يتحرّك بدهاء بين الخطوط.
دياز ليس ممن يسعون إلى الأضواء، ولكنه يجيد تغيير موازين اللعب بهدوء ومن دون افتعال البطولات الفردية. إنه فنان المساحات الضيّقة، والقادر على تحويل ثقل الرقابة الجماعية من عبء عليه إلى مشكلة تُرهق المدافعين، وفي أمتار قليلة يستطيع خلق حالة من الإبداع وإعادة صياغة معادلة اللعب.
هذا اللاعب هو نتاج موهبة تتألق في قلب الفوضى الجميلة، حيث تُتخذ القرارات في لحظات خاطفة، وتبرز الشجاعة قبل كل شيء.
ومع انتقاله من أجواء الأندية الأوروبية إلى الساحة الدولية، بدا أن دياز قادر على نقل تأثيره بنفس القوة إلى المنتخب المغربي، مستفيداً من الحرية التي منحته إياها فلسفة الانسجام والحركة بدلاً من التوجيهات المتشددة. في أيامه الأخيرة مع ريال مدريد، كان لدياز بصمة مؤثرة كمتحكم في المساحات الضيقة، مظهراً قدرة استثنائية على التفوق على المدافعين بمهارة وهدوء.
ربما كان تألقه أوضح في فترة كارلو أنشيلوتي، الذي منحه المرونة التي تناسب أسلوب لعبه، وقِصر قامته، الذي قد يبدو للبعض عائقاً، لكنه أصبح ميزة له؛ سرعته ومرونته ودقة قراراته جعلته لاعباً مراوغاً قادراً على خلق ارتباك عميق للخصوم قبل تخطّيهم برشاقة غير مألوفة.
اختياره اللعب لمنتخب المغرب بدلاً من إسبانيا لم يكن مجرد قرار عاطفي، بل خطوة واعية تخدم الجوانب التكتيكية والفنية، إذ أثبت منذ البداية أنه ركيزة أساسية تضيف ديناميكية خاصة للمنتخب، ولو وسط كوكبة من الأسماء الكبيرة.
في بطولة كأس الأمم الأفريقية 2026-2025 كان حضوره لافتاً منذ البداية، ودخل التاريخ كأول هداف يسجل في النسخة، كما حصل بجدارة على جائزة أفضل لاعب في المباراة الأولى ضد جزر القمر بعد أداء استثنائي حطم به التوقعات.
اقرأ أيضاً: من يتصدر قائمة الهدافين بعد انتهاء الجولة الأولى في كأس أمم أفريقيا 2025؟
وإذا تمكّن المنتخب المغربي من الظفر باللقب، فسيكون من المنطقي اعتبار دياز أحد أبرز أبطال النسخة، بل ربما أفضل لاعبيها بلا منازع، لترتفع قيمته في داخل أوساط كرة القدم ويحصُل على التقدير الذي استحقه منذ وقت طويل، مع استمرار تأثيره الملموس على أرض الملعب بعيداً عن أي أرقام.

إبراهيم دياز ليس مجرد اسم بين نجوم الساحرة المستديرة، بل قيمة فنية نادرة يعكسها الإلهام والبراعة قبل أيّ شيء آخر، وموهبة تكسر الرتابة المملّة بإبداع هادئ، وتضيف سحراً حقيقياً إلى كرة القدم حين تتحرّر من قيود القواعد الجامدة؛ وحيثما حلّ هذا اللاعب، تتحول اللعبة إلى لوحة فنية حية لا تُنسى.
نبض