جوفنتوس سباليتي يضع قدمه على طريق العودة
الفرق الكبيرة لا تعود إلى مجدها بين ليلة وضحاها، كما أنها لا تستعيد مكانتها بقفزات مفاجئة على سلم ترتيب الدوري. عملية النهوض تبدأ دائماً من الأساسيات الخفية: أرضية الملعب، التزام اللاعبين، والطريقة التي تُدار بها لحظات الانتصار والخسارة. وهذا ما نشهده في جوفنتوس خلال المراحل الأخيرة، حيث اختار الابتعاد عن الأضواء والتركيز على جوهر هويته العريقة.
جوفنتوس الحالي لا يبحث عن إثبات قوته عبر التصريحات أو الإحصائيات، بل يعبّر عن نفسه بأداء عملي مختلف، يتميز بالهدوء، والنضج، والقدرة على التحكم بمجريات اللعب. هذا الفريق بات أكثر خبرة في اختيار التوقيت المناسب للهجوم أو التراجع، وأصبح يسير مبارياته نحو الفوز بخطة مدروسة بعيداً عن المخاطرة غير المحسوبة أو محاولات الاستعراض؛ وهذا التطوّر ليس شكلياً أو موقتاً، بل نتاج فريق بدأ يعيد إحياء ذاكرته التاريخية وصياغة شخصيته من جديد.
ما يميز رحلة التغيير هذه أنها لم تأتِ نتيجة قفزات درامية، ولا تغييرات جذرية على مستوى التشكيلة، فالفريق لا يزال يواجه تحديات متمثلة في نقص واضح في الإمكانات وتوازن الخطوط، حيث يبدو طموحه متوسطاً عند النظر إليه على الأوراق. ومع ذلك، فإنّ النقطة الفاصلة في هذا التحوّل تأتي من مقاعد القيادة، ومن هنا يبرز دور المدرب لوتشيانو سباليتي، الذي أضاف بصمته المفقودة منذ وقت طويل، إذ جاء بهدف واضح، فلم يرغب في إعادة بناء فريق جديد، بل إعادة نظامه المفقود، وصناعة ثقافة لعب متناغمة، تصبغ هوية الفريق، قبل أن تستهوي الجماهير.

المباريات الأخيرة كانت اختباراً عملياً لتثبت ما يحدث في الكواليس؛ 6 انتصارات من أصل 7 مباريات في الدوري الإيطالي، بما في ذلك انتصارات حاسمة على خصوم مباشرين. في مثل هذه المواجهات، لا يتحقق الفوز عبر الحظ أو الأرقام فقط، ولكنه يعتمد على الانضباط والتركيز العالي في أصعب الظروف، وهذا ما نجح جوفنتوس في تحقيقه في الآونة الأخيرة، حيث بدا الفريق أكثر تماسكاً ذهنياً وفنياً.
وجاءت مواجهة روما الأخيرة كدليل صريح على هذا التحوّل الجديد، الذي يعيشه الـ"بيانكونيري". أمام خصم معروف بتنظيمه الدفاعي وإجادته غلق المساحات وممارسة الضغط النفسي على منافسيه، قدّم الفريق أداءً متماسكاً، ونجح في التعامل مع الخصم بهدوء وذكاء. ورغم أنّ المباراة لم تكن استثنائية من حيث المستوى الفني، فإنها جسّدت فريقاً يعرف ماذا يريد، وكيف يصل إلى غايته بحكمة وسيطرة.
نبض