على أرض المغرب… الجزائر تبحث عن ذاتها بين التاريخ والطموح
يراود منتخب الجزائر حلم أفريقي متجدد، وهو يحلّ ضيفًا ثقيلاً على كأس أمم إفريقيا في نسختها الخامسة والثلاثين، والمقامة حاليًا في الجارة المغرب. يدخل "محاربو الصحراء" البطولة بطموحات واضحة، مستندين إلى تاريخهم القاريّ العريق، بكونهم أبطال أفريقيا في مناسبتين، في عامي 1990 و2019.
يسعى "الخضر" إلى استعادة الهيبة المفقودة بعد خيبات النسختين الماضيتين، حين خرجوا مبكرًا رغم دخولهم البطولة بثوب المرشّح. ويملك نجوم المنتخب، بقيادة المدرب البوسني فلاديمير بيتكوفيتش، رغبة جامحة في استعادة "التاج"، مدعومين بمزيج متوازن من الخبرة والأسماء الشابة، ضمن جيل يسعى لإثبات نفسه في بطولة تُقام هذه المرة وسط أجواء جماهيرية استثنائية، وعلى أرض مغاربية، ما يمنح المشاركة الجزائرية بُعداً تنافسيّاً وشعبيّاً خاصّاً.
ولا تُقرأ البطولة بالنسبة إلى الجزائريين من زاوية النتائج فقط، بل من حيث التوازنات داخل كرة القدم الأفريقية، والمنافسة التاريخية بين القوى الكبرى في شمالي القارة، وفي مقدّمها المغرب والجزائر وتونس ومصر. كما يبحث المنتخب الأخضر عن رد اعتبار كرويّ في بطولة يُتوقع أن تكون من الأكثر تنافسية في تاريخ المسابقة.
وقد شرع "الخضر" في عملية إحلال وتبديل لصياغة جيل جديد، كانت باكورة إنجازاته التأهّل إلى نهائيات كأس العالم 2026.

يعوّل المدرب السويسري–البوسني على أعمدة الإنجاز الذي تحقق قبل سبع سنوات في مصر، وفي مقدّمهم القائد رياض محرز، والهدّاف بغداد بونجاح، إلى جانب دماء جديدة ستظهر لأول مرة في العرس القاري. ويبرز في هذا السياق حارس غرناطة الإسباني لوكا زيدان، نجل الأسطورة الفرنسية زين الدين زيدان، وظهيرا هيلاس فيرونا الإيطالي رفيق بلغالي، وباري الإيطالي مهدي دورفال، إضافة إلى موهبة باير ليفركوزن الألماني إبراهيم مازة.
كذلك استدعى بيتكوفيتش ثنائي المنتخب الرديف عادل بولبينة ورضوان بركان، بعد تألّقهما في كأس العرب، فضلاً عن العناصر الأساسية، وفي طليعتها مدافعا ليل الفرنسي عيسى ماندي، وبوروسيا دورتموند الألماني رامي بن سبعيني، ونجم الوسط إسماعيل بن ناصر، ولاعب الأهلي السعودي حسام عوار.
وفي هذا السياق، قال اللاعب الدولي السابق الحسين أشيو إن "ثمة أسماء شابة ستعطي تنافسًا قويًا بين الخطوط، والمشاركة في بطولة بهذا الحجم تمنحهم الحافز لإثبات أنفسهم". وأضاف لـ"النهار" أن "اللعب في أرض المملكة المغربية يشكّل عامل راحة للاعبين الجزائريين، إذ سيشعرون كأنهم يلعبون داخل الجزائر، نظرًا إلى تشابه الطقس والمناخ والظروف، فضلًا عن الأجواء الشعبية المتقاربة من مختلف النواحي". وتابع أشيو أن "الملاعب في المغرب ذات مستوى عال جداً، وهذا يدفع اللاعب الجزائري إلى تقديم أفضل ما لديه، فجميع العوامل في دورة المغرب تصبّ في مصلحة المنتخب الجزائري مقارنة بدول أخرى".
ولفت أشيو إلى أن "كل المنتخبات تتسم بالعناد، وستطمح إلى الإطاحة بالجزائر التي تمتلك لاعبين من أعلى المستويات، قادمين من أفضل الأندية، خصوصاً الأوروبية".
وسيخوض منتخب "الخضر" الدور الأول ضمن منافسات المجموعة الخامسة، إلى جانب السودان وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، في مجموعة تبدو متوازنة لكنها لا تخلو من الفخاخ.
وقد يستفيد المنتخب الجزائري نفسيًا من كونه لا يخضع لضغط التنظيم أو التتويج الإلزامي، وهو ما قد يسمح له باللعب بأريحية أكبر، ولا سيما إذا نجح في تجاوز الدور الأول وبناء زخم تدريجيّ داخل البطولة، وهو السيناريو الذي يصنع الأبطال في القارة السمراء، في أغلب الأحيان.
تبقى حظوظ الجزائر في المنافسة على اللقب واقعية، لكنها مشروطة. فالوصول إلى ربع النهائي أو نصف النهائي يبدو هدفاً منطقياً إذا سارت الأمور بشكل طبيعي. أما بلوغ النهائي أو اعتلاء منصة التتويج فيتطلب عودة "الروح القتالية" التي صنعت لقب 2019، إلى جانب انضباط تكتيكي صارم واستثمار دقيق للفرص، في بطولة لا تحتمل هوامش الخطأ.
الجزائر ليست خارج دائرة المنافسة، لكنها أيضًا ليست في موقع آمن. وسيُقاس نجاحها في "كان 2025" بقدرتها على إعادة تعريف نفسها كمنتخب صلب وواقعي، لا يعيش على أمجاد الماضي، ولا ينهار تحت ضغط الحاضر.
نبض