أمم أفريقيا بين التطوير المزعوم والهيمنة الأوروبية
أثار إعلان الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" عن سلسلة من القرارات الجديدة اهتماماً وجدلاً واسعاً في داخل الأوساط الكروية، بعد أن شملت تحويل كأس أمم أفريقيا إلى حدث يقام كلّ أربع سنوات، وزيادة الجوائز المالية، وإطلاق دوري الأمم الأفريقي.
هذا الإعلان قسّم الآراء بين من اعتبره خطوة إيجابية طال انتظارها لتطوير كرة القدم في القارة، وآخرين رأوا فيه مجرّد تماهٍ مع متطلبات الكرة الأوروبية، خصوصاً أن القرارات صدرت بشكل أحاديّ من رئيس الاتحاد القاري "كاف"، الجنوب أفريقي باتريس موتسيبي، من دون التشاور بوضوح مع الاتحادات المحلية.
تستدعي مثل هذه التغييرات تأملاً وتحليلاً عميقاً أكثر من إصدار أحكام سريعة. فالسؤال هنا لا يتعلق فقط بمزايا هذه القرارات الظاهرة، بل بما إذا كانت تخدم مستقبل كرة القدم الأفريقية، وتُبنى على أسس تنسجم مع احتياجات القارة، أم أنها إعادة تشكيل للمشهد الرياضي تبعاً لأولويات خارجية.
من الناحية الظاهرية يصعب إنكار وجود جوانب إيجابية. رفع جائزة كأس أمم أفريقيا إلى 10 ملايين دولار، وتخصيص مليون دولار لكل اتحاد محلي لأغراض التطوير، يمثلان دفعة تمويلية مهمة لقارة تعاني اتحاداتها من ضعف الموارد وتعثر البنية التحتية. وإذا جرى توظيف هذه المبالغ بفاعلية، فقد تسهم في تحسين المرافق الرياضية وتطوير أنظمة التدريب، مما سيعود بالفائدة على مستوى المسابقات المحلية، ويزيد من قدرة الدول الأفريقية على استضافة الأحداث الكبرى بشكل لائق.
كذلك، فإن تقليص عدد نسخ البطولة قد يخفف الضغط البدني المتزايد على اللاعبين الأفارقة، الذين يتحملون بمعظمهم أعباءً مضاعفة بين منتخباتهم الوطنية والتزاماتهم تجاه أنديتهم الأوروبية، وهو ما انعكس لسنوات في ارتفاع معدلات الإجهاد والإصابات.
لكن التحدّي الحقيقي لا يكمن في محتوى هذه القرارات، بل في سياقها وتوقيتها. فالكرة الأفريقية لطالما تميّزت بهويّة خاصة فرضتها ظروف القارة من مناخ متنوّع، وحرارة مرتفعة، وتحدّيات جغرافية، في بطولات مثل كأس أمم أفريقيا التي عُرفت بتنظيمها شتاءً تفادياً للحرارة المرتفعة، وباستثناءات تمليها خصوصية المنطقة وظروفها، وهو ما خلق هوية فريدة للبطولة وللّعبة عموماً في القارة، تختلف عن نسق المنافسات الأوروبية وتحتفظ بطابع يلائم الواقع الأفريقي.
تحويل البطولة إلى شكل ودورة زمنية أقرب إلى كأس أمم أوروبا يثير مخاوف بشأن إمكانية فقدان الهوية الأفريقية الأصلية، ولا سيما أن أمم أفريقيا لم تكن مجرد مسابقة رياضية بل كانت رابطاً وجدانياً وثقافياً بين المنتخبات والجماهير، وعنصرًا أساسياً في الإيقاع الكروي للقارة.

أما إطلاق دوري الأمم الأفريقي، فرغم جاذبيته النظرية، فقد يفتح باب تساؤلات حول الجاهزية الواقعية، ولا سيما مع إقامته على حساب بطولات ناجحة مثل أمم أفريقيا للمحليين. فحتى التجربة الأوروبية، التي انطلقت في بيئة أكثر استقراراً، لم تحقق النجاح المأمول حتى الآن، بينما لا تزال الكرة الأفريقية تواجه عدّة مشكلات مزمنة.
في النهاية، لا تُقاس هذه القرارات بحجم الجوائز أو عدد البطولات المستحدثة، بل بقدرتها على حماية جوهر وهوية الكرة الأفريقية. فالقارة التي صنعت نموذجًا كروياً خاصاً لا تحتاج إلى أن تُعاد صياغتها وفق معايير غيرها كي تتطور، بل في القدرة على قيادة مشروع تطور حقيقي ينبع من احتياجات وخصوصيات المنطقة بدل الانسياق وراء معيار عالمي يرى القارة مصدراً للموارد البشرية، من دون الاعتراف بمكانتها كشريك فعلي في تشكيل مستقبل اللعبة.
نبض