ربيع الحريمات… حين لا تحتاج النجومية إلى إحصاء
أضحت الأرقام اللغة الأولى، وأحياناً الوحيدة، للحكم على اللاعبين في كرة القدم الحديثة. أهداف، تمريرات حاسمة، خرائط حرارية، ومؤشرات رقمية تُختصر فيها الحكايات الطويلة. لكن بين حينٍ وآخر، يظهر لاعب يربك هذا المنطق، لا لأنه يعادي الأرقام، بل لأنه يتجاوزها. محمد ربيع الحريمات هو أحد هؤلاء القلائل الذين صدّقتهم الكرة أولاً، ثم لحقت بهم الأرقام متأخرة.
فوز ربيع الحريمات أخيراً بجائزة أفضل لاعب في كأس العرب 2025 لم يكن مجاملة، ولا قراراً عاطفياً، بل كان أكثر القرارات عدلاً في بطولة امتلأت بالأسماء الهجومية واللحظات السهلة للقياس.

المفارقة أن الحريمات لم يسجّل هدفاً، ولم يصنع أي أهداف، ومع ذلك كان القلب النابض لكل ما فعله منتخب المغرب الذي لُقب بالبطولة، ففي كل هجمة تقريباً كان لها توقيعه الخفي، وكل محاولة بناء كانت تبدأ من قدمه أو تمر عبر رؤيته.
لكن عند الحديث بلغة الأرقام؛ نجد أن دقة تمريراته بلغت 92% في كل مباراة من كأس العرب 2025، وهي الأعلى في البطولة. هذا الرقم لا يُقرأ باعتباره رقماً مجرداً، بل كدليل على لاعب يعرف متى يمرّر، وإلى أين، وبأي إيقاع. الأكثر لفتاً أن الحريمات لم يكن لاعب تمرير آمن فحسب، بل لاعب كسر خطوط بامتياز، إذ نجح في 20 تمريرة طولية صحيحة من أصل 27، وهو رقم يعكس جرأة محسوبة، ووعياً بمساحات الملعب، وقدرة على قراءة تحركات الزملاء قبل أن تحدث.
دوره لم يتوقف عند تنظيم اللعب، بل امتد إلى العمق الدفاعي. فكان يعود باستمرار بين المدافعين، بحيث يعيد تشكيل الهجمة من الخلف، ويمنح الفريق توازناً نادراً. في النهائي، لمس الكرة 119 مرة، وفاز بـ5 ثنائيات أرضية من أصل 6. هذه الأرقام تؤكد أننا أمام لاعب ارتكاز مخضرم، فهو يفهم أن قيمته ليست في لقطة لامعة، بل في استمرارية التأثير.
ومنذ أربعة أشهر فقط، حصد الحريمات جائزة أفضل لاعب في أمم أفريقيا للمحليين، ثم عاد ليؤكد استحقاقه بجائزة أفضل لاعب في كأس العرب. هذا التسلسل لا يعكس طفرة موقتة، بل نضج لاعب وصل متأخراً إلى الأضواء، لكنه وصل مكتمل الأدوات.
نبض