الكرة المغربية… قصة وطن يتقدّم بثقة نحو القمة الأفريقية والعالمية
قبل عقد من الزمن، كانت الصورة مختلفة تماماً وقاتمة. في كأس أفريقيا 2010، تابع المغاربة البطولة التي احتضنتها أنغولا بحسرة كبيرة، إذ فشل منتخبهم في التأهل، بينما قطعت جائحة "إيبولا" طريق استضافة المغرب نسخة 2015، ليذهب شرف التنظيم إلى غينيا الاستوائية.
لكن بعد هاتين المحطتين، انقلبت الخيبة إلى طوفان من النجاحات المتواصلة، وكانت وراء هذه التحولات الفكرية والتنظيمية شخصية فوزي لقجع، الذي حول كرة القدم في المغرب من مجرد رياضة إلى مشروع دولة متكامل يضم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والديبلوماسية.

البطولة لا تتعلق بالمباريات فقط. الملاعب الحديثة تعج بالجماهير المتحمسة، البنى التحتية تشهد تطوراً غير مسبوق، والشعور بالانتماء الوطني يتجسد في كل ابتسامة وصرخة تشجيع. في المقاهي والأحياء والمدن، تتبادل الجماهير التحليلات التكتيكية، وتناقش فرص الفوز بالكأس، كأنها جزء من إدارة المباراة ذاتها.
في قلب هذا النجاح، تبرز شخصية فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف الميزانية ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي أكد في تصريحات أن الفوز بكأس أمم أفريقيا ليس خياراً بل ضرورة، خصوصاً في ظل التحضير لاستضافة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال. ويضيف: "كرة القدم في المغرب اليوم أكثر من مجرد لعبة، إنها مشروع تنموي واجتماعي واقتصادي". مؤسسة "المغرب 2030" التي أُحدثت لتجسيد هذا المشروع، تضع في قلب استراتيجيتها البنى التحتية، وخلق فرص العمل، وتحديث النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
الاتحاد الأفريقي لكرة القدم وضع ثقته في المغرب المستضيف، مؤكداً أن نسخة 2025 ستكون الأفضل في تاريخ كأس أمم أفريقيا. الاستعدادات امتدت من الملاعب إلى الشوارع، مع برامج كرة القدم المصغرة التي تجوب مختلف جهات المملكة، لتؤكد أن البطولة لا تعيش في الملاعب فحسب، بل في القلوب والعقول أيضاً. الجمهور المغربي، الملتف حول منتخبه الوطني، لا يكتفي بالتشجيع، بل أصبح شريكاً معنوياً في صنع الحدث.
مع ذلك، لم تخل الصورة من تحديات. يترافق شغف الجماهير مع توقعات هائلة، فالمنتخب الوطني يسعى لإنهاء انتظار نصف قرن من أجل لقب قاري، مما يضع اللاعبين والطاقم الفني في مواجهة مباشرة مع طموحات الملايين. إضافة إلى ذلك، يسعى المغرب لترسيخ نفسه قوة تنظيمية قارية ومؤثرة في صنع القرار داخل الاتحادين الإفريقي "كاف" والدولي "فيفا"، ما يجعل من البطولة اختباراً مهماً قبل الاستحقاق الأكبر: مونديال 2030.
رغم كل الزخم والإشادة الدولية، يبقى السؤال مطروحاً عن الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية: كيف يمكن تحويل الاستثمارات الكبرى إلى نمو محلي دائم يعود بالنفع على المواطنين بعد انتهاء البطولة؟ وماذا عن استمرارية المشروع بعد جيل من القادة الحاليين؟ هذه الأسئلة تجعل من كأس إفريقيا اليوم أكثر من مجرد مباراة، بل درس في إدارة الطموح الوطني وتحويل الشغف الشعبي إلى قوة مؤسسية.
الصدى الخارجي للحدث يؤكد الإنجاز، فقد أشاد لاعبون ومسؤولون من منتخبات أخرى، بما فيها الجزائر، بالقدرة التنظيمية للمغرب والمناخ الملائم لاستضافة البطولة، وهو ما يعكس ثقة إفريقية وعالمية بالمسار الذي اختاره البلد. وما يحدث اليوم هو درس حي في كيفية تحويل حب الناس لكرة القدم إلى مشروع دولة متكامل، هدفه ليس الفوز بالكأس فحسب، بل ترسيخ مكانة وطن على خريطة الكرة العالمية.
الجماهير ليست مجرد متفرجة، بل هي شريك معنوي في هذا المشروع، إذ يمتد الشوط القادم في هذه المباراة الوطنية الكبرى من الملاعب إلى كل زاوية في المملكة، حاملاً آمال جيل بأكمله نحو مستقبل كروي واقتصادي واجتماعي أفضل، ولحظة تاريخية تحكي قصة وطن يتقدّم بثقة نحو القمة الإفريقية والعالمية.
تتحرك شوارع المغرب كأنها ملعب مفتوح لكل عشاق الكرة. من أصوات الباعة في الأزقة إلى الشغف الجماهيري في كل بقعة ومدينة وجهة، وحتى ضحكات الأطفال وهم يلعبون كرة صغيرة بين البيوت وفي الساحات، كل زاوية في المملكة اليوم تذكّر بأن كأس أفريقيا التي افتتحت أمس، ليست مجرد بطولة، بل حدث تاريخي يختبر أحلام جيل بأكمله.
نبض