قضية نيغريرا مجدداً... حين يعود الماضي ليشعل صراع الحاضر
عاد صدى قضية نيغريرا ليهزّ أركان الكرة الإسبانية مجدداً، مذكّراً الجميع بأن الصراعات التاريخية بين قطبي الكرة الإسبانية برشلونة وريال مدريد تتجاوز الملعب، لتغوص في التاريخ والإدارة والسياسة الرياضية.
أعاد رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز، إشعال النار بتصريحاته حول قضية نيغريرا، واصفاً إياها بأنها "أكبر فضيحة في تاريخ كرة القدم"، موجهاً اتهاماً صريحاً إلى النادي الكاتالوني بمحاولة التأثير على نتائج المباريات، وسلّط الضوء على المدفوعات التي قُدرت بالملايين مقابل تقارير تقنية لم يطلع عليها أي مدرب. كلام بيريز كان حاداً، لدرجة دفع رابطة الحكام الإسبانية لتردّ بدفاعٍ حازم، مؤكدين أنهم يعملون باستقلالية تامة وأن أي اتهام عام دون دليل يضر بالنزاهة والمصداقية، ويهدد سلامة اللعبة على كل المستويات. وطلبت الرابطة من ريال مدريد عدم استخدام الحكام كمبرر لسوء نتائج الفريق، ولفتت إلى أن مثل هذه التصريحات ينتهي بها الأمر في الملاعب والمدرجات في شكل إهانات وتهديدات وعدوانيات ضد الحكام.
رد برشلونة جاء سريعاً على لسان رئيس النادي جوان لابورتا الذي وصف ما يحدث في مدريد بـ"البارسلونيتيس الحاد"، في محاولة لشرح الهوس المستمر لفريق العاصمة بالحديث عن النادي الكاتالوني وقضية نيغريرا. لابورتا أوضح أن هذا الهوس لا يضر بالنادي، بل يمنحه فرصة التركيز على كرة القدم والعمل اليومي، ولا سيما بعد الأداء الممتاز لفريقه هذا الموسم. وأضاف أن السبب وراء تصعيد الخطاب من جانب مدريد لا يتعلق فقط بالتحكيم، بل أيضاً بفشل مشروع "سوبر ليغ" الأوروبية، حيث يسعى برشلونة حالياً لتفاهم مع الاتحاد الأوروبي "يويفا"، بينما يظل ريال مدريد متمسكاً بخططه الخاصة، ما يزيد التوتر بين الناديين.

ما يبدو مفاجئاً، هو تصدر القضية العناوين في هذا التوقيت، والسبب يعود إلى توقيت سياسي ورياضي دقيق، إذ يستعد برشلونة للانتخابات الرئاسية المقبلة في الفترة من آذار (مارس) إلى حزيران (يونيو) المقبلين، ويحتاج لابورتا لتأكيد موقفه القانوني والأخلاقي أمام الجمهور والمنافسين، بينما ريال مدريد يستغل أي موضوع لتسليط الضوء على خصمه التاريخي، خصوصاً بعد موسم أقل نجاحاً من المتوقع، ورغبة بيريز في توجيه الانتباه بعيداً عن مشكلات فريقه الرياضية.
وقضية نيغريرا هي واحدة من أكبر القضايا الجدلية في تاريخ كرة القدم الإسبانية، وترتبط بنادي برشلونة وعلاقته بنائب رئيس لجنة الحكام السابق خوسيه ماريا إنريكيز نيغريرا الذي تلقى مبالغ مالية لشركات يملكها قُدّرت بحوالي 8 ملايين يورو، نظير تقارير فنية عن الحكام، تحليل طريقة تحكيمهم، ونصائح حول كيفية التعامل معهم داخل الملعب.
وأبرز الإعلام الإسباني تفاصيل شهادة لابورتا أمام القضاء، حيث نفى معرفته بنيغريرا نائب رئيس لجنة الحكام الأسبق أو ابنه، لكنه دافع في الوقت نفسه عن المدفوعات التي تم تحويلها إلى شركات مرتبطة بنيغريرا، معتبراً أنها كانت "موروثة" من مجالس إدارة سابقة، ورأى الاستمرار فيها لاعتقاد الإدارة بأنها مفيدة للنادي. وشدد رئيس برشلونة في أقواله أيضاً على أن ناديه "لم تكن لديه نية التلاعب بالمنافسات مطلقاً"، واعتبر أن القضية تهدف إلى "تشويه إنجازات النادي"، لا سيما في الوقت الذي عاد فيه الفريق إلى حصد الألقاب.
وسائل الإعلام الإسبانية لم تفوّت فرصة تحليل الصراع. في برامج مثل "إل شيرينغويتو"، انقسم النقاش بين من حاول التشكيك في سمعة برشلونة خلال فترة ذهبية من تاريخه، ومن دافع عن إرث النادي ومجده، مؤكدين أن الإنجازات تبقى شاهدة على براعة الفريق وإبداعه حتى في خضم الأزمات القضائية والإعلامية.
وبينما يستعد برشلونة لمواصلة موسمه الجيد نسبياً حتى الآن، يستمر الصراع الإعلامي والسياسي محتدماً، لكن ما يميز النادي الكتالوني هو القدرة على الموازنة بين الأداء الرياضي المتميز والدفاع عن سمعته ومكانته القانونية، على قاعدة أن كرة القدم ليست مجرد أهداف أو بطولات، بل معركة مستمرة بين التاريخ والحاضر، بين الإنجاز والجدل، وبين برشلونة وريال مدريد على كل المستويات.
نبض