مودريتش... حين يكسر الجسد قوانين الطّبيعة
في عالم كرة القدم، العمر ربما يكون أكثر من مجرد رقم عابر، بل هو غالباً ما يشكل قانوناً صارماً يفرض حقيقته بلا تردد، إنه كساعة زمنية خفية لا تتوقف، تذكّر اللاعبين في كل خطوة بطيئة بزوال اللحظات، وكل تمريرة تخسر دقتها مع مرور الوقت، ومع قدوم موسم بعد آخر، يواجه اللاعبون حقيقة أن مسيرتهم تقترب شيئاً فشيئاً من نهايتها الحتمية.
لكن عندما يظهر لوكا مودريتش، يبدو الأمر وكأن قوانين الزمن توقفت لتعيد النظر في مسارها، وكأن جسده ينفض عنه غبار السنين، وعقله يرفض تماماً فكرة الخضوع للنهاية، وبالنظر إلى أدائه، يبدو أنه تجاوز قيود العمر، ليتحدى الزمن ذاته، وكأنه يخطف منه لحظاته دون اكتراث.
يقرأ مودريتش المباراة بذكاء مُسبق عن الآخرين، يُبسط التعقيد بتمريرة واحدة فقط، ويعيد تعريف مثالية الأداء المستدام، محولاً الاستمرارية الفنية إلى فن نابض بالحياة، فهو ليس مجرد لاعب يحافظ على مستواه؛ بل رمز للرؤية والإبداع الذي يتحدى المعايير.

مودريتش... محور التغيير
وجوده في أي فريق لا يعني أنه مجرد جزء من التشكيلة، بل يعيش كالقلب النابض والعقل المُدبر، فهو الميزان الذي يضبط إيقاع الأداء، والجسر الذي تمر عبره الأفكار من التخطيط إلى التنفيذ، ومهما تغيّر من حوله الزملاء أو تبدّلت الأجيال، فإن حضور مودريتش يضمن دائماً التماسك والبناء المنهجي المتين، فهو استثناء نادر خلقته الطبيعة نفسها.
عندما ترك ريال مدريد واتجه إلى ميلان الإيطالي، ظن البعض أن حقبته الذهبية انتهت، إلا أن مودريتش رد بطريقته الخاصة داخل المستطيل الأخضر، وأعاد إثبات تفرده بأن الزمن لم يستطع أن يقلل من قدراته، وأظهر أداء لاعب بعمر العشرينيات، حتى وهو يواجه قيود جسدية تجاوز الآخرين سنوات قبل بلوغها.
مع انضمام مودريتش، أصبح ميلان بقيادة أليغري فريقاً مختلفاً تماماً، واستحق الكرواتي لقب محور التغيير، ومثل العنصر الأساسي الذي عمل على إعادة بناء الفريق وصقل هويته.
ماذا فعل مودريتش؟
منذ انطلاق الموسم في الدوري الإيطالي، شارك في كل مباريات ميلان الـ15، وفي 13 منها لعب كامل الدقائق، بينما كان لاعبو الجيل الأصغر يعانون الإصابات والإرهاق، وتجاوز الحدود الطبيعية للجسد وتصرف كأنه لا يتأثر بفعل السنين.
كارلو أنشيلوتي قال عنه سابقاً إن إيجاد بديل لمودريتش هو أمر مستحيل، وهذا الوصف الذي يتكرس يوماً بعد يوم في كل مرة يقدم فيها عرضاً مبهراً يستعرض فيه سحره وإبداعه.
لا يمكن حصر ما يفعله لوكا مودريتش ضمن حدود المنطق التقليدي أو التوقعات العادية، لأنه بكل بساطة يتبع قانوناً خاصاً لا يعرف الاستسلام ولا الاعتدال، فهو دستور كروي وسط فوضى المعايير المعتادة، يقود بفكر استثنائي وحضور ينبض بالإبداع كما لو أنه خُلق ليكون مختلفاً للأبد.
نبض