لويس إنريكي... حين يصبح الرقم توقيعاً لا يُمحى
ستطوى قريباً صفحة عام كامل من منافسات دوري أبطال أوروبا لكرة القدم بإنجازات لفرق وخيبات لأخرى، في نسخة كانت مفعمة بالأحداث والمشاعر المتباينة، زاخرة بالإنجازات والأرقام التي خطفت الأضواء بقوتها ودلالاتها. وكان عاماً استثنائياً بكل معنى الكلمة، حيث كانت المنافسة اختباراً حقيقياً للإرادة والقدرة، سواء بالنسبة إلى الفرق أو اللاعبين، وشهد لحظات مبهرة صُنعت فيها أمجاد جديدة وأخرى انتقلت إلى طيّات النسيان.
ومن وسط هذا التشويق والإثارة، يبرز رقم فريد ارتبط باسم المدرب الإسباني لويس إنريكي، رقم نادر واستثنائي يخلّد أثره في ذاكرة البطولة لسنوات طويلة؛ وهذا الرقم هو علامة مميزة وشهادة على عبقرية مدرب امتلك القدرة على تحويل كلّ موسم إلى فصلٍ جديد ساطع في تاريخ كرة القدم.
منذ أن تسلّم المدرب السابق لبرشلونة ومنتخب إسبانيا دفّة القيادة الفنية لفريق باريس سان جيرمان الفرنسي، أظهر صرامة ووضوحَ رؤية منذ البداية، فلم يُجامل أحداً، ولم يمنح الأولوية لأسماء رنانة على حساب المصلحة الجماعية للفريق.
تعامل المدرب الإسباني مع الجميع بنفس المعيار، وهو الجهد والتفاني لخدمة قضية الفريق، وحتى النجوم الذين اعتادوا تسليط الأضواء عليهم لم يُمنحوا استثناءً، ما وجّه رسالة قوية بأن الالتزام والعمل الجاد هما مفتاحا النجاح في عهده.

كان "لوتشو" يعتمد على فلسفة مغايرة؛ فلسفة تبني فريقاً وحدة واحدة تحت قيادة فكر جماعي متماسك، وفي نفس الوقت تمنح المساحة للتألق الفردي إذا كان في خدمة المصلحة العامة للفريق.
قراراته الجريئة واضحة وصارمة؛ حين تقرر الاستغناء عن نيمار معتبراً أن أسلوبه لا يتماشى مع أهداف الفريق، أو عندما انتقد أداء كيليان مبابي ودوره الدفاعي، وحتى قراره بإعارة كولو مواني بعد فترة قصيرة من انضمامه للفريق، كان إشارة بأن لا أحد خارج إطار المحاسبة، مهما كان الاسم.
منذ اليوم الأول لانضمامه إلى النادي، وضع إنريكي بصمته الخاصة، فلم يطلب فقط الصلاحيات بل طالب أيضاً بإعادة هيكلة الفريق بشكل كامل وفق رؤيته المميزة. ومع تعاونه مع لويس كامبوس، عمل على صياغة فريق صلب يتمتع بالمرونة التكتيكية والضغوط العالية، ويستطيع مجابهة أي خصم وتحقيق الانتصارات في أي ساحة.
وسرعان ما جاءت النتائج لتثبت صحة مساعيه، إذ ارتقى الفريق من كونه منافساً محلياً تقليدياً إلى قوة أوروبية تخشاها أعرق الأندية، والنتيجة كانت تتويج باريس سان جيرمان بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى.
لكن أكثر ما لفت الأنظار هو الإنجاز القياسي الذي حققه إنريكي في موسم البطولة، حين نجح في تحطيم الرقم الذي سجّله أليكس فيرغسون عام 2002 بقيادة مانشستر يونايتد بتسجيل 38 هدفاً، ليصل فريق إنريكي إلى رقم جديد بلغ 42 هدفاً في موسم 2025، من دون أن يكون هذا مجرّد رقم عابر بل تأكيداً على التفوق الهجومي الصارخ الذي صنعه المدرب الإسباني بلمسته السحرية.
الإثارة لم تتوقف عند نقطة التتويج فقط. ففي الموسم الحالي، ورغم وجود منافسين أشداء كأرسنال وبايرن ميونيخ، تمكن "بي أس جي" تحت إشرافه من تقديم أداء هجومي رهيب، حيث سجل 19 هدفاً خلال ست مباريات فقط، واضعاً الفريق في موقع الريادة الهجومية في نسخة البطولة الحالية.
لويس إنريكي ليس مجرد اسم عابر في عالم التدريب؛ إنه صانع لحظات تبقى محفورة في تاريخ البطولة، وينبض سحر الأداء في قراراته وتكتيكاته التي تبدو كأنها لوحات فنية مُتقنة؛ وإنريكي هو من تلك الشخصيات التي تترك بصمة خالدة لا تُمحى، لأنه مهندس الإنجازات ومبدع الأمجاد، واسمه سيبقى علامة فارقة في قصة دوري الأبطال ومجد اللعبة الأسمى.
نبض