الإقصاء من كأس العرب يُفجّر جدلاً في تونس... والحل؟
أعاد خروج منتخب تونس لكرة القدم من الدور الأول لكأس العرب المقامة حالياً في قطر الجدل القديم - الجديد إلى الواجهة حول المدرب الأنسب لقيادة "نسور قرطاج": هل يكون تونسياً يعرف خفايا وخبايا كرة القدم المحلية وحباياها أم أجنبياً يأتي بـ"دماء جديدة" ورؤية مختلفة؟
ورغم فوزها على قطر، ودّعت تونس كأس العرب من الدور الأول بعد تعادل مع فلسطين وخسارة أمام سوريا، ما تسبب بخيبة أمل كبيرة في الشارع التونسي العاشق لهذه الرياضة.
خيبة أمل
وسلّط هذا الاقصاء المزيد من الضغط على الاتحاد التونسي لكرة القدم والفريق المشرف على المنتخب، قبل أيام قليلة من مشاركة منتظرة في كأس أمم أفريقيا في المغرب.
وفي الشارع التونسي، بدا غضب جمهور كرة القدم واضحاً وانقسمت الآراء حيال من يتحمل تبعة "هذه الخيبة"، كما أجمع الكل على وصفها.
ويقول زياد القاسمي، الشاب الذي سافر إلى الدوحة من أجل مشاهدة مباريات تونس، لـ"النهار": "المنتخب خيّب آمال التونسيين الذين حضروا بالآلاف من أجل تشجيعه".
تابع: "سافرت مع عدد من أصدقائي لتشجيع المنتخب، وكنا نعتقد أنه سيذهب بعيداً في هذه المنافسة. لم نتوقع أن يخرج أمام منتخبات تعد أضعف منه حسابياً".
أضاف: "ما حصل يبعث على الشك: أي أداء سيقدمه المدرب ولاعبوه بعد أيام في المغرب، وماذا أعدوا لكأس العالم 2026؟".
ويعترف الكاتب والصحافي الرياضي عبد السلام ضيف الله في تصريح لـ"النهار" بأن "الحصيلة النهائية لمشاركة تونس في كأس العرب مخيّبة بكل المقاييس".
ويقول إن هذه البطولة كشفت العديد من نقاط الضعف داخل المنتخب التونسي، تتعلق بالتخطيط وقرار المشاركة في المنتخب الأول، ومستوى الاختيارات الفنية المتعلقة باللاعبين، وإدارة المباريات والتصرف التكتيكي في اللحظات الصعبة.
أما المحللة الرياضية نعيمة ساسي، فأشارت إلى "فشل استراتيجية المدرب سامي الطرابلسي، موضحة أن تونس تُعول في منتخبها الأول على لاعبين يلعبون في أوروبا لم يكن من الممكن استقدامهم في هذه الكأس بالنظر الى التزاماتهم مع فرقهم، لذلك تم التعويل على لاعبين محليين غير جاهزين".

"المدرسة التونسية" تبحث عن تثبيت ذاتها
خروج منتخب تونس من كأس العرب فتح النقاش مجدداً بين المحللين والرياضيين حول جدوى التعويل على المدرسة المحلية في التدريب التي تبحث عن تثبيت ذاتها.
ويرى عدد من الفنيين أن التعويل على المدرب التونسي ليس مجرد خيار رياضي، بل "ضرورة استراتيجية"، وفي تقدير هذا الشق، فإن المرحلة الحالية وبسبب الظروف التي تمر بها تونس وكرة القدم التونسية تتطلب "رجلاً يعرف النفسية التونسية ولا يحتاج إلى وقت طويل لاكتشاف الدوري واللاعبين، وقادراً على التأقلم مع الأوضاع الحالية".
ويدافع هؤلاء عن الكفاءة التونسية في التدريب التي نجحت في دول أخرى، معتبرين أنه لا يجب تحميله مسؤولية فشل استراتيجية كاملة تتداخل فيها عوامل عدة من بينها المادي واللوجيستي والرياضي.
ويقول ضيف الله إنه رغم حجم الخيبة، فإنّ ضيق الوقت لا يسمح الآن بإحداث تغيير جذري، خصوصاً تغيير المدرب لأن كأس أمم أفريقيا على الأبواب.
ويرى أن من الأجدر منح الطرابلسي فرصة أخيرة في البطولة الأفريقية، قائلاً: "إذا لم تظهر أي مؤشرات جدّية على التطور والنجاح، فحينها يصبح التغيير ضرورياً.
أضاف: "عندها يجب أن يكون التغيير بمدرب أجنبي يمتلك القدرة العالية على استثمار الجيل الحالي من اللاعبين القادمين من مراكز التكوين الأوروبية، في إطار مشروع واضح استعداداً لكأس العالم في الصيف المقبل".
من جهتها، تقول ساسي إن المدرب التونسي يبرر دائماً بعدم توافر إمكانات العمل التي توفر للمنتخب الأجنبي.
الحل في المدرسة الأجنبية
لكن المدرب التونسي في تقدير شق آخر من المعلقين عجز عن تحقيق النتائج التي يطمح إليها التونسيون، ورغم التأهل إلى كأس العالم في 7 مناسبات، لا يضم سجل المنتخب التونسي الا بطولة أفريقية واحدة كانت بقيادة الفرنسي لوجي لومار عام 2004.
وبالنسبة إلى أصحاب هذا الرأي الذين يصرون على أن الكرة التونسية بحاجة لرؤية جديدة تعيد التوازن للمنتخب، فإن المدرب يمتلك "جرأةً أكبر" و"أساليب تدريب حديثة"، في عالم يشهد تغييرات متسارعة في أساليب اللعب وتكتيكاته.
ويتهم فنيون المدرب المحلي بعدم القدرة على تأطير اللاعبين المستقدمين من الدوريات الأوروبية وتسييرهم والذين يملكون تقنيات وامكانات أكبر من اللاعب المحلي.
وباتت تونس تعُول بشكل كبير في السنوات الأخيرة كحال منتخبات شمال أفريقيا على محترفيها بأوروبا من أبناء المهاجرين.
وتقول ساسي إن أفضل النتائج التي تم تحقيقها في تاريخ المنتخب التونسي كانت مع مدربين أجانب، وهو ما يجعل من المطالبة بالاستعانة بمدرب أجنبي مشروعة ومعقولة.
ويتفق ضيف الله مع هذا الرأي مؤكداً أن نجاح منتخب تونس وكرة القدم التونسية مستقبلاً يجب أن يكون تحت قيادة مدرب أجنبي، ويلفت إلى أنه توجد أسباب عدة تجعل التوجه نحو مدرب أوروبي خياراً منطقياً لاستثمار غالب اللاعبين الذين ينشطون في البطولة الأوروبية أو تدرّجوا في مدارس تكوينها.
لكن ساسي تشير إلى الاتحاد التونسي بوضعه المالي الحالي عاجز عن استقدام مدرب أجنبي قادر على بناء منتخب كبير موضحة: "الأسماء الكبيرة في عالم التدريب يتطلب التعاقد معها أموالاً كبيرة وهو ما تعجز تونس عن توفيره".
نبض