إيمري وأستون فيلا… ولادة هوية تفرض هيبتها
لم يعد ما يقدمه أستون فيلا تحت قيادة المدرب الإسباني أوناي إيمري مجرد مشروع طموح أو محاولة للتموضع بين الكبار، بل أصبح خريطة واضحة الملامح لفريق يعرف تماماً ماذا يريد، وكيف يصل إليه، ومتى يضرب.
منذ وصول إيمري إلى "فيلا بارك"، بدا أن الفريق يخلع جلده القديم دفعة واحدة. لم تكن المهمة سهلة، فالنادي خرج منذ سنوات من التخبّط الفني، وغياب الهوية، وتذبذب المشروع بين أكثر من مدرّب وتوجّه. لكن إيمري جاء بفكرة واضحة: إعادة بناء الفريق من الأساس، لا ترقيعه.

على مدار موسمين كاملين، عمل إيمري على تأسيس عقل جديد للفريق، قبل أقدام جديدة في الملعب. أعاد ترتيب الخطوط، ورفع جودة اللاعبين، وصنع بيئة تنافسية لم يعرفها النادي منذ أكثر من عقد. تغيرت طريقة اللعب من الارتجال إلى التنظيم، ومن رد الفعل إلى امتلاك زمام المبادرة. تدريجياً صار الفريق يزداد قوة كل شهر، حتى بات واحداً من الخصوم الذين لا يشعر المنافسون بالراحة أمامهم، سواء في فيلا بارك أو خارجه.
ورغم هذا البناء المتين، لم تكن بداية الموسم الحالي امتداداً سهلاً لما سبق. فقد بدأ الفريق بصورة مهزوزة، أداء بلا شراسة كافية، ونتائج متذبذبة؛ خمس مراحل كاملة من دون انتصار في "بريميير ليغ"، وتسع نقاط فقط من أول سبع مباريات، مع التراجع إلى المركز الرابع عشر. الإصابات، ضعف الجاهزية، وتذبذب مستوى بعض العناصر جعلت البداية مثقلة بالشكوك، وكأن المشروع يتعرض لاختبار صلابة حقيقي.
لكن إيمري كما اعتاد دائماً، لا يغيب رد الفعل. كان الرجل يجلس صامتاً خارج الخطوط، لكن عقله لم يتوقف عن البحث في الحلول وابتكارها. أعاد ضبط الإيقاع، وأعاد إلى اللاعبين ثقتهم، وعادت الأدوار التكتيكية إلى وضوحها. فجأة بدا الفريق كأنه يعثر من جديد على المفتاح الذي ضاع منه في المراحل الأولى. ارتفع الأداء البدني، واستعادت الخطوط قوتها، وظهر الأسلوب نفسه الذي يجبر الخصوم على التراجع ويصنع الفارق في الثلث الهجومي، لتبدأ سلسلة لا تهدأ من النتائج الإيجابية.
حقق أستون فيلا 13 انتصاراً في آخر 15 مباراة في جميع البطولات، بينها انتصارات على مانشستر سيتي، وتوتنهام، وصولاً إلى الفوز الأخير على آرسنال، ليستقر الفريق في المركز الثالث، وليحافظ على موقعه وسط الكبار بثبات. لم تكن تلك الانتصارات مجرد نتائج عابرة، بل شهادة على أن الفريق عاد إلى مساره الطبيعي. أما الفوز على آرسنال فكان العلامة الأوضح: مباراة لم تكن مجرد ثلاث نقاط، بل إعلاناً رسمياً بأن "فيلانز" حين يظهر بكامل هيئته، قادر على إسقاط أي منافس مهما كان حجم قوته أو طموحه.
هكذا يبدو أستون فيلا اليوم: فريق خرج من مرحلة البحث عن الهوية إلى مرحلة فرض الهيبة. ومشروع إيمري لم يعد مجرد قصة بناء هادئ، بل واقع ملموس يتجسد في كل مباراة، لا يطلب فيه أستون الاحترام، بل يفرضه.
نبض