لاندو نوريس… من حلبات الكارتينغ إلى قمة الفورمولا 1

رياضة 07-12-2025 | 20:11

لاندو نوريس… من حلبات الكارتينغ إلى قمة الفورمولا 1

توّج البريطاني لاندو نوريس بلقبه الأول في بطولة العالم لـ الفورمولا 1، بعد حلوله ثالثاً في سباق جائزة أبوظبي الكبرى، لينهي بذلك هيمنة ماكس فيرستابن، التي استمرت أربعة أعوام وسط منافسة ثلاثية حابسة للأنفاس
لاندو نوريس… من حلبات الكارتينغ إلى قمة الفورمولا 1
لاندو نوريس. (أ ف ب)
Smaller Bigger

تُوِّج البريطاني لاندو نوريس بطلاً للعالم في الفورمولا 1، للمرة الأولى في مسيرته، بعد ختام درامي لموسم 2025 على حلبة مرسى ياس في أبوظبي، في سباق انتهى بفوز ماكس فيرستابن بالمركز الأول، وأوسكار بياستري ثانياً، ونوريس ثالثاً؛ وهي نتيجة كانت كافية لمنحه لقب السائقين بفارق نقطتين فقط.

لقب تاريخي بنكهة العائلة والفريق

بدا نوريس في المؤتمر الصحافي بعد السباق متأثراً إلى أبعد الحدود، واضعاً العائلة في قلب هذه اللحظة التاريخية. فقد استعاد في ذاكرته، أوّل مرة، شاهد فيها سيارة كارتينغ على شاشة التلفزيون، وأول مرة قاد فيها كارت صغيراً في الحي، قبل أن يربط بين تلك البدايات البسيطة وبين وقوفه اليوم بطلاً للعالم.

شدّد نوريس على أن هذا اللقب ليس إنجازاً شخصياً فقط، بل هو بطولة جماعية لعائلته وفريقه وكل من وقف إلى جانبه. تحدّث عن تضحيات والديه، والوقت الذي أمضياه في دعمه، وعن شقيقيه وشقيقاته الذين يتحمّلون انشغاله الدائم وعدم ردّه أحياناً على رسائلهم، مؤكداً أن أكثر ما يسعده في هذه اللحظة ليس لقب "بطل العالم" بحد ذاته، بل رؤية والدته ووالده وأفراد عائلته وأصدقائه يبتسمون ويشعرون بأن كل ما قدّموه كان يستحق العناء.

كما منح نوريس حيزاً كبيراً لفريقه الفني والمهندسين، الذين أمضوا معه سنوات من العمل اليومي بعيداً عن عائلاتهم. وأوضح بأنه يشعر بمسؤولية مضاعفة تجاههم، لأنه يدرك أنهم شاهدوا مراحل نضوجه أكثر مما شاهدوا أبناءهم يكبرون، وبأن هذا اللقب هو طريقته ليجعل تضحياتهم تبدو ذات معنى وقيمة.

من بداية متعثّرة إلى نصف ثانٍ استثنائي

اعترف نوريس بأن النصف الأول من الموسم لم يكن مقنعاً، رغم بدايته القوية مع الفوز في أوستراليا، الذي شكّل دفعة معنوية كبيرة، قبل أن يدخل في سلسلة من النتائج المتواضعة، في وقت كان زميله أوسكار بياستري يتألّق ويتقدّم عليه بشكل منتظم في الترتيب.

هذه المرحلة الصعبة كانت نقطة تحوّل. فالسائق البريطاني لم يكتفِ بمحاولة التجربة من جديد في السباق التالي، بل قرّر إعادة بناء نفسه خارج الحلبة كما في داخلها؛ وسّع فريق العمل حوله، لجأ إلى مختصين إضافيين ذهنياً وبدنياً، كثّف جهده على جهاز المحاكاة، وغيّر أسلوب تعامله مع الضغط وأسلوب قيادته في بعض المراحل.

أشار نوريس إلى أن الفارق الذي وصل إلى 34 نقطة خلف بياستري بعد زاندفورت لم يُخفّف الضغط كما قد يظن البعض، بل جعله يشعر بأنه متأخر كثيراً أمام سائق سريع جداً في السيارة ذاتها، فكان عليه أن يرفع المستوى، وأن يحفر عميقاً ليُخرج أفضل ما لديه. ومع مرور الجولات، تحوّل هذا الضغط إلى سلسلة من النتائج القوية في الأشهر الأخيرة، شكّلت العمود الفقري لمسيرته نحو اللقب.

بطولة على طريقته… بلا تخلّي عن شخصيته

ما ميّز كلمات نوريس أنه رفض تحويل اللقب إلى مقارنة مباشرة مع الآخرين. فقد شدّد على أنه لا يستمد سعادته من إثبات أنه أفضل من ماكس أو من أوسكار، ولا يهتم بالعناوين التي تضع هذا السائق فوق ذاك، بقدر ما يهتم بشعور من حوله، وبإحساسه الداخلي بأنه أدى ما عليه.

أوضح بأنه خاض الموسم بأسلوبه الخاص: سائق عادل، صريح، يحاول أن يبقى هو نفسه داخل الحلبة وخارجها. اعترف بأنه كان بإمكانه في بعض اللحظات أن يكون أكثر عدوانية، وأن يدفع المنافسين إلى حافة الخطر، لكنه لا يرى أن هذا هو الأسلوب الذي يريد أن يبني عليه مسيرته، خصوصاً أنه تمكن من حسم لقب العالم بأدائه المتزن وقدرته على الظهور في قمّة مستواه عندما احتاج الفريق إلى ذلك.

وتوقّف أيضاً عند أخطائه، من بينها بعض القرارات التي وصفها بالمحرجة في سباقات مثل مونتريال، مشيراً إلى أنه تعلّم كثيراً من هذه اللحظات، وأنه اليوم سائق أفضل بكثير مما كان عليه في بداية الموسم. وبرغم كل ذلك، أبدى رغبة صادقة في ألا يغيّر هذا اللقب طريقته في التفكير وتعاطيه مع المنافسة، بل أن يستمر في التطوّر من دون أن يفقد هويته.

ورداً على سؤال "النهار" عن شعوره في اللحظات الحاسمة عند اقترابه من تجاوز الياباني يوكي تسونودا، ثم مروره فوق خط النهاية، أكّد نوريس أن تلك الثواني القليلة اختزلت موسمه بأكمله. أشار إلى أنه كان يدرك مسبقاً أن تسونودا سيحاول إعاقة تقدمه وجعل حياته أكثر تعقيداً، تماماً كما حدث سابقاً حين استُخدم سائق ثانٍ لتعطيل منافس على اللقب. وعندما انطلق للهجوم، شعر لوهلة بأن أي احتكاك بفارق بضعة سنتيمترات فقط كان كفيلاً بإنهاء حلمه. لذلك، ومع اقتراب اللفات الأخيرة، تخلّى عن استخدام الحواجز والـ"كيرب" بشكل عدواني، مفضّلاً الأمان على المجازفة. ومع رؤية علم النهاية، لم يفكر في الأرقام أو الفارق النقطي، بل بعائلة تنتظر هذا المشهد، وفريق يعيش على أعصابه خلف الحواسيب، وبأن هذه المناورة النظيفة على تسونودا كانت آخر خطوة في طريق طويلة قادته إلى اللقب العالمي الأول في مسيرته.

لاندو نوريس. (النهار)
لاندو نوريس. (النهار)

تحدّث أيضاً عن لحظات التوتر وهو يشق طريقه بين السيارات، خاصة في مواجهة المحاولات التكتيكية لإبطائه، واعترف بأن فكرة هشاشة الفارق كانت حاضرة في ذهنه طوال الوقت، وأن خطأ بسيطاً أو تماساً كان يمكن أن يقلب كل شيء. لهذا السبب قرر في اللفات الأخيرة الاكتفاء بسرعة كافية لإنهاء المهمة، من دون أي مغامرة إضافية.

بالنسبة إليه، اللقب لم يُنتزع فقط في مرسى ياس، بل في سلسلة من الأشهر التي شهدت أعلى مستويات من التركيز والاتساق في الأداء. سباق أبوظبي كان الفصل الأخير لرواية طويلة، لا كل الرواية.

فيرستابن: موسم بلا لقب… لكن بفخر كبير

على الجهة الأخرى، أنهى ماكس فيرستابن موسماً صاخباً بفوز جديد في أبوظبي، هو الخامس له على هذه الحلبة، والـ71 في مسيرته، ليخسر اللقب في النهاية بفارق نقطتين فقط. وأكد الهولندي أنه وزميله وفريقه قدّموا في أبوظبي نهاية أسبوع متكاملة: انطلق من المركز الأول، قاد السباق بثبات، وتمتّع بسيارة متوازنة وسريعة.

ماكس فيرستابن. (النهار)
ماكس فيرستابن. (النهار)

وصف فيرستابن موسمه برحلة الأفعوانية، مع نصف أول صعب شهد الكثير من السباقات القاسية والمشاعر المتناقضة، قبل أن يطلق الفريق رحلة العودة في النصف الثاني للموسم عبر تحسينات تقنية وعمل متواصل في داخل المصنع. وما جعله فخوراً هو أن الفريق لم يستسلم رغم الفارق الكبير في مرحلة معينة، بل استمر في التطوير حتى تحوّل من مُطارِد بعيد إلى منافس على اللقب حتى السباق الأخير.

توقف أيضاً عند رمزية العمل إلى جانب مهندس سباقه الشهير، مشيراً إلى العلاقة الإنسانية بينهما، التي تتجاوز حدود الراديو والبيانات إلى صداقة حقيقية رافقت معظم محطات نجاحه وخيباته على حد سواء.

ورغم مرارة خسارة اللقب في الرمق الأخير، أكد فيرستابن أنه يشعر بارتياح داخلي، وربما بفخر أكبر مما شعر به في بعض مواسم التتويج السابقة، لأنه يعلم أنه استخرج أقصى ما يمكن من سيارة لم يكن يحبّها دائماً، وعاش معها عاماً مليئاً بالتحديات التقنية والذهنية.

بياستري: موسم الانفجار الكبير… وخبرة بطل قادم

أما أوسكار بياستري، فأنهى سباق أبوظبي ثانياً محققاً المنصة السادسة عشرة له في هذا الموسم، بعد مجازفة استراتيجية مختلفة عن منافسيه في مكلارين. اعترف الأوسترالي بأن الفريق لم يمتلك سرعة كافية لمجاراة فيرستابن في السباق، لكنه خرج راضياً عن أدائه في نهاية الأسبوع، خاصة أنه فوّت إحدى الحصص التدريبية واضطر إلى التكيّف سريعاً مع الظروف.

عند تقييمه للموسم، أقرّ بياستري بأن النهاية لم تكن كما حلم، لكنه أشار إلى أنه لو عُرضت عليه هذه الحصيلة في بداية العام (عدد الانتصارات، المنصات، والقتال على اللقب حتى الجولة الأخيرة) لوافق عليها دون تردد. الأهم بالنسبة إليه أنه اكتشف الكثير عن نفسه كسائق وكإنسان، وتعلّم كيف يتعامل مع اللحظات الصعبة، وكيف يحوّلها إلى مصدر قوة للمستقبل.

عن زميله في الفريق، شدّد بياستري على أن نوريس بطل مستحق، مؤكداً أن المنافسة داخل مكلارين في السنوات الثلاث الماضية، خصوصاً في هذا الموسم، رفعت مستوى الاثنين معاً. وأشار إلى أن لقب زميله لا يغيّر شيئاً في ديناميكية الفريق: ما زال يرى في نوريس السائق نفسه، لا سوبرمان جديداً، ويتوقع استمرار العدالة والتكافؤ داخل الفريق في 2026، مع قناعة راسخة بأن هذا النمط من المنافسة الداخلية، رغم توتره أحياناً، يصنع سائقين أفضل.

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/7/2025 2:40:00 PM
ضابط سوري سابق: "بدا الأمر كأنه معدّ مسبقاً. لكنه كان مفاجئاً لنا. كنّا نعرف أن الأمور ليست على ما يرام، لكن ليس إلى هذا الحد"...
سياسة 12/7/2025 9:18:00 AM
"يديعوت أحرونوت": منذ مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات، لم يتواصل الدبلوماسيون الإسرائيليون واللبنانيون مباشرةً
سياسة 12/7/2025 2:02:00 PM
عاد حوالي 2000 جنديّ من جنوب لبنان إلى أوطناهم حتى الآن، منهم حوالي 280 جنديّاً من جنود قوّة "اليونيفيل" المنتشرة بحراً...