قبل قرعة 2026: هل أصبح المونديال سلاحاً جيوسياسياً؟

رياضة 04-12-2025 | 18:11

قبل قرعة 2026: هل أصبح المونديال سلاحاً جيوسياسياً؟

تتعامل الولايات المتحدة، ولا سيما في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، مع "الساحرة المستديرة"، وبالأخص كأس العالم، على أنها أكبر منصة تأثير جماهيري في التاريخ.
قبل قرعة 2026: هل أصبح المونديال سلاحاً جيوسياسياً؟
إنفانتينو جعل الفيفا أداة أساسية في سياسات الرئيس الاميركي دونالد ترامب بحسب المحللين. (وكالات)
Smaller Bigger

لم يعد ممكناً تحييد كرة القدم، تلك اللعبة الشعبية الأولى في العالم، عن الاستراتيجية الجيوسياسية للولايات المتحدة. فواشنطن ليست دولة تبحث عن دور "رياضي" داخل لعبة عالمية؛ بل دولة تُعيد تشكيل العالم وفق مصالحها العسكرية والاقتصادية والإعلامية… والرياضية أيضاً.

تتعامل الولايات المتحدة، ولا سيما في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، مع "الساحرة المستديرة"، وبالأخص كأس العالم، على أنها أكبر منصة تأثير جماهيري في التاريخ. وحين تسمح بدخول صناعة كرة القدم إلى منظومتها، فهي تفعل ذلك بالمنطق ذاته الذي تعتمد عليه في أي قطاع آخر: أن تكون صاحبة النفوذ، وأن تُعيد تشكيل هذا القطاع بما يخدم مصالحها.

تتجه الأنظار، الجمعة، إلى قاعة مركز جون إف كينيدي للفنون الأدائية، في مشهد يجمع السياسة بالديبلوماسية بالرياضة على منصة واحدة، حيث سيجلس الرئيس الأميركي إلى جانب "رئيس جمهورية كرة القدم" جياني إنفانتينو في الصف الأمامي. خطوة تبدو كرسالة واضحة: الولايات المتحدة تريد نسخة من كأس العالم تُظهر ثقلها السياسي والرياضي قبل سبعة أشهر من انطلاق البطولة.

اختيار واشنطن لاستضافة القرعة يأتي ضمن رؤية واسعة تتبناها الفيفا لإقامة حفل عالمي الطابع، يتجاوز النمط التقليدي، بمشاركة نخبة من أساطير كرة القدم، وشخصيات ثقافية وفنية، ووفود رسمية من الدول الـ48 المتأهلة، فيما تستعد ستة منتخبات لخوض الملحق العالمي في ربيع 2026.

جائزة السلام؟
وللمرة الأولى، سيُعلن عن "جائزة الفيفا للسلام"، والمتوقع أن تُمنح لترامب نفسه، برغم الجدل السياسي الداخلي، وتهديده بنقل المباريات من المدن الديموقراطية إن اعتبر ظروفها "غير آمنة".

يرى مراقبون أن الولايات المتحدة توظّف كرة القدم في مشاريعها الاستعمارية الجديدة، وفي حروبها وأطماعها الخارجية، وأن استضافتها للمونديال جزء من محاولة إعادة بناء صورتها العالمية بعد سنوات من الاضطراب الجيوسياسي، من أفغانستان إلى الشرق الأوسط، ولا سيما فلسطين ولبنان وإيران واليمن وصولاً إلى أوكرانيا.

النفوذ الأميركي
بالنسبة لإدارة ترامب، مهندس الفوز بالملف الأميركي الشمالي على حساب المغرب في 2018 عبر الضغط السياسي، فإن المونديال فرصة لاستعراض القوة الناعمة الأميركية، ولجمع العالم تحت سقف واحد داخل أراضيها، ولتأكيد أنها "العاصمة السياسية والثقافية والرياضية للعالم".

النفوذ الأميركي يدخل إلى كرة القدم من بوابة التكنولوجيا والإعلام والأمن. وهكذا تتحول اللعبة تدريجياً إلى جزء من "المنظومة الأميركية"، من دون أن يدرك العالم ذلك. والمهندس الأول… هو رئيس الفيفا.

كانت اللعبة الشعبية تُعرف بأنها رياضة الفقراء؛ لعبة بدأت من الأزقة، من الشغف والعرق والطين. لكنها اليوم تنفصل عن مبادئها؛ تتحوّل إلى صفقات سياسية وتجارية، ورمز للقوة، ومنصة يملكها الأقوى لا الأجدر. وهذا الانفصال عن القيم هو الخطر الأكبر.

اللعبة تتنكر لمبادئها!
يقول لاعب ترينيداد وتوباغو الدولي السابق والمرشح السابق لرئاسة الفيفا، دايفيد ناكيد: "الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، أي الغرب السياسي، لا يأبهون للقيم الإنسانية لكرة القدم ولا لدورها الاجتماعي. هم استعبدوا الشعوب واعتبروها أدنى من الحيوانات. بنوا إمبراطورياتهم على حساب الشرق وأفريقيا ودول الجنوب، وينظرون إليها دائماً بعين دونية، بعدما نهبوها وامتصّوا خيراتها". ويتابع في اتصال لـ"النهار": "الولايات المتحدة في مقدمة الدول الاستعمارية وداعمي الإرهاب، وهي الرقم واحد في القمع. وتستخدم كرة القدم لأنها تدرك أهميتها كلعبة عالمية، وتستعمل الفيفا كأداة لاستعمار ما تبقى من دول. إنفانتينو ليس سوى دمية تعبّد لهم الطريق، خصوصاً أن شعوب الدول الفقيرة تعشق اللعبة ومستعدة للموت من أجلها بدل الموت من أجل قضاياها الحقيقية".

 

كأس العالم 2026 بمثابة اختبار لكرامة الشعوب وعلاقتها باللعبة التي صنعت وجدانها. (وكالات)
كأس العالم 2026 بمثابة اختبار لكرامة الشعوب وعلاقتها باللعبة التي صنعت وجدانها. (وكالات)

 

 

توازنات سياسية

ويكشف محلّلون عن تحوّل خطير، مفاده أن الفيفا لم تعد منظمة تدير كرة القدم؛ بقدر ما هي مؤسسة تتقاطع مصالحها مع القوى الكبرى، وتوظّف اللعبة لتحقيق توازنات سياسية. كثيرون يشيرون إلى إنفانتينو بوصفه "مهندس صناعة النفوذ الأميركي" داخل كرة القدم، الرجل الذي تفوّق على سلفه جوزف بلاتر في إحكام السيطرة على المؤسسات الاتحادية القارية، وفي خلق شبكة من الولاءات التي تخدم مشروعاً واحداً: تجفيف منابع القرار في الجنوب، وتكريس مركزية القرار في الغرب.

لكن الأخطر من كل ذلك، أن الشعوب، تلك الملايين التي تهتف وتبكي وتعشق اللعبة، باتت تُستخدم كوقود لهذا المشروع. تُستغل عاطفتها لتمرير سياسات أكبر منها، وتُستغل ولادتها الفطرية لكرة القدم لتُبقي على هذه المنظومة مزدهرة ومتمكّنة.

ومع انتظار العالم لقرعة المونديال، ينظر العرب بقلق إلى ما يحدث. فالعرب هم الجمهور الأكثر انفعالاً، والأكثر حضوراً، والأكثر استهلاكاً لكل ما يُبثّ عبر شاشات اللعبة. ومع ذلك، يظلون الأقل تأثيراً، والأكثر تهميشاًٍ، والأسرع خضوعاً لابتلاع المنظومة الغربية.

إن كأس العالم 2026 بمثابة اختبار للدول الصغيرة، اختبار لكرامة الشعوب وعلاقتها باللعبة التي صنعت وجدانها. اختبار لقدرتها على أن تبقى لاعباً، لا مجرد رقم في حسابات الآخرين.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/3/2025 12:18:00 PM
ياكواف كاتس، وهو أحد مؤسسي منتدى السياسة MEAD، والباحث البارز في JPPI، ورئيس تحرير السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يجيب عن هذه الأسئلة في مقال له، ويشير إلى الفوارق بين الماضي والحاضر.
المشرق-العربي 12/3/2025 2:17:00 AM
يطالب القرار إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان
لبنان 12/3/2025 9:19:00 AM
خلال ندوة في جامعة القديس يوسف (USJ) عُقدت إحياءً لذكرى المفكر والكاتب الوطني حبيب صادق، شارك السفير كرم بمداخلة أثارت جدلاً واسعاً داخل القاعة.
سياسة 12/3/2025 8:27:00 AM
يعد هذا التطور أمراً متقدماً جداً وسط الأجواء الضاغطة بما يسلط الأضواء بقوة على مسار اجتماعات الميكانيزم بعد تطعيمها بممثلين مدنيين .